فلاسفتنا ...الى أين ؟
صفحة 1 من اصل 1
فلاسفتنا ...الى أين ؟
أين نحن من الفلسفة؟ «فلاسفتنا» تحولوا، أمام الإعلام، وأمام ما يروج من جدالات كلامية وسياسوية، إلى مجرد ردود أفعال، ففقدوا زمام المبادرة، وصاروا، على حد قول نيتشه، «يضيعون كل جهودهم إثباتا و نفيا، تأكيدا ومعارضة. إنهم يبددون جهودهم في انتقاد ما أُعمِل فيه الفكر من قبل، أما هم فلم يعودوا في حاجة إلى تفكير».
إنهم يُقحمون في أشباه القضايا إقحاما، ويجرون إلى خوض أشباه المسائل جرا. صاروا «مثل عود الثقاب، لا يحدثون شرارة إلا إذا تنازلوا عن قدرتهم على المبادرة»، وتخلوا عن حريتهم في التفكير، كي يتحولوا إلى «جهود فكرية» لا تبذل جهودا لإنتاج الأسئلة، وإنما تكتفي بردود الفعل «نفيا وإثباتا»... «ذلك أن تبذير القوى الدفاعية، مهما كانت ضعيفة، حينما يغدو هو القاعدة المتّبعة، يؤدي إلى فقر مدقع شامل. إن جهودنا العظمى تتألف من تكرار الجهود الصغرى. واتخاذ الموقف الدفاعي والترقب الدائم يشكلان، لا محالة، تبذيرا حقيقيا وتبديدا للجهود. حينما نجعل الحالة العابرة للموقف الدفاعي تتمدد، فإننا نضعف من قوانا بكل سهولة إلى حد أن نغدو عاجزين عن كل دفاع».
لا يفكر «فلاسفتنا» مع الفلاسفة وضدهم وبرفقتهم، ولا يشتغلون على «نصوصهم»، و«ينشغلون بـ»ـها، و إنما يقتصرون على «الاشتغال بـ «النصوص، وتوظيفها، بل الاستناد عليها بهدف الاستجابة لما «تطرحه» الساحة و ما تقترحه الندوات، وما تلوكه الألسن.
إنهم لا يسعون لأن يشاركوا الفلاسفة دهشتهم، فيقتربون منهم كلما شاركوهم ابتعادهم عن أنفسهم، ويقتحمون نصوصهم اقتحام العلماء للمختبرات، هاجسهم الأساس توليد الأسئلة وخلق المسافات وإحداث الانفصال، وإنما لا يسعون إلى الاقتراب من الفيلسوف إلا بهدف إرواء ظمأهم الفلسفي، وإشباع فضولهم المعرفي والاطلاع على ما «نُقل» من أقوال وما «أُثر» من أفعال.
انهم لا يكونون أمام مفكرين يسائلونهم، وإنما أمام «شيوخ» يروون عنهم، و«معلمين» يستفسرونهم عما لم يتضح لهم من معان وأفكار، ليفتحوا لهم أبواب «المعرفة» الفلسفية، ويحيطوهم علما بتياراتها المتشعبة، ومدارسها المتعددة، وقضاياها الشائكة. فهم لا «يشتبكون» في قضايا، وإنما يحصلون معرفة. أسماء الفلاسفة بالنسبة إليهم ليست صعوبات وإشكالات، وهي لا تجتمع حول إشكاليات، وإنما هي تيارات ومدارس وعائلات فكرية، بل إنها قد تغدو رموزا وشعارات.
«فلاسفتنا» لا يقتحمون حلبة الصراع، ولا يلجون ميدانا يطبعه التوتر و«مقارعة» الأفكار، وإنما يكتفون بأن «يلعبوا» لعبة الجدل الفكري داخل ميادين رُسمت حدودها وحُددت معالمها ووُضعت قواعد اللعبة داخلها.
فلاسفتنا متكلمون جدد.
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى