فنانون فى زمن الحرب
صفحة 1 من اصل 1
فنانون فى زمن الحرب
الكتاب: فنانون في زمن الحرب
تأليف: هوارد زين
الناشر: كتاب الاعلام المفتوح ـ نيويورك 2003
الصفحات: 112 صفحة من القطع الصغير
مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور هوارد زين استاذ العلوم السياسية في جامعة بوسطن، وهو يتحدث في هذا الكتاب عن موقف المثقفين والفنانين في القضايا الاجتماعية والسياسية، ومنذ البداية يقول المؤلف ما معناه: عندما نفكر في العلاقات الكائنة بين الفنانين والمجتمع فإن اول كلمة تخطر على بالي شخصياً هي كلمة التعالي، وهي كلمة نادراً آن تستخدم حالياً في مجتمعات الغرب العلمانية التي قطعت صلتها بكل ما هو فوقي أو خارجي علينا.
والواقع اني اقصد بهذه الكلمة الشيء التالي: الفنان يتجاوز الظرف الحالي المباشر ويتعالى عليه، انه يتجاوز جنون العالم، وكذلك يتعالى على الحرب والارهاب. فالفنان شخص يفكر بالبعيد البعيد، وليس كالصحافي أو السياسي المشغول بالآني العاجل. والفنان يفكر ويكتب خارج الاطر المألوفة للمجتمع.
انه شخص غريب الاطوار، ولا امتثالي على عكس بقية البشر، وبالطبع فهذا الكلام ينطبق على الفنان بشكل عام، اي على الرسام والموسيقار والروائي والشاعر وحتى الفيلسوف. فهؤلاء لا يقدمون لنا المتعة الفنية أو الجمالية فقط كما يزعم دعاة مذهب الفن للفن، لا ريب في ان احد الجوانب الاساسية للفنان هو ان يمتعنا بلوحته الرائعة أو قطعته الموسيقية أو ما سوى ذلك.
ولكن عمل الفنان لا يقتصر على ذلك فهو يقول لنا ايضاً اشياء اخرى. انه يصور لنا العالم كما ينبغي ان يكون عليه لا كما هو كائن الآن. انه ينتقد الواقع الراهن لكي يحث الناس على تغييره والتواصل الى عالم آخر افضل منه.
يضاف الى ذلك ان الفنان ينسينا احياناً بشاعة العالم الراهن وحروبه وعنفه وارهابه وينقلنا الى عالم آخر أعلى وأسمى، عالم الجمال والمثل العليا والمتعة والسعادة.
ثم يردف المؤلف قائلاً: لقد علمنا المجتمع ان نكون مختصين بعلم ضيق ثم حصرنا فيه. فاذا كنت مؤرخاً فإن المجتمع يقول لك: تصرف كمؤرخ واحك لنا عن تاريخ الازمنة الغابرة فقط، ولا تتدخل في اي شيء آخر. فأنت لا تعرف إلا التاريخ ورواية قصص الماضي.
واذا كنت شاعراً يقول لك المجتمع: اقرأ لنا قصيدة شعر، ولكن إياك ان تتدخل فيما لا يعنيك: اي في السياسة مثلاً. فأنت شاعر وهذا يكفيك. ويمكن ان نقيس على ذلك الرسام، والموسيقار، والروائي، الخ.
ولكن هذا التقسيم النمطي للاختصاصات الثقافية يحصر الانسان في مجال ضيق ويفصله عن بقية جوانب الحياة، وهذا شيء غير صحيح. بل انه مستحيل. فنحن جميعاً نعيش في مجتمع معين ونتأثر بأحداثه وهمومه وقضاياه.
ولا يمكن للشاعر ان يعيش في برج عاجي ويقول: لا علاقة لي بالمجتمع ولكن المجتمع عودنا على ان ننحصر في قوالب معينة غصباً عنا. فعندما تلتقي لأول مرة بشخص ما فإنه سرعان ما يسألك: ماذا تعمل؟ أو ما هي وظيفتك؟ وهو يقصد بذلك: الى أي فئة مهنية تنتسب.
وبعد ان تجيبه عن سؤاله نجده يحشرك في الفئة المهنية التي تنتهي اليها دون ان يفهم انك قد تكون شخصاً آخر، ولك هموم اخرى تتجاوز وظيفتك الحرفية الضيقة.
ويقول المؤلف بأنه واجه هذه المشكلة عندما اندلعت حرب فيتنام وكان يمارس عمله في الجامعة كمؤرخ للفكر السياسي.
فقد حصلت لقاءات بين المؤرخين الاكاديميين داخل الجامعة وكان السؤال الذي طرح عليهم هو التالي: هل ينبغي ان يتخذ المؤرخون موقفاً من الحرب؟ هل ينبغي ان يعطوا رأيهم سلباً أم ايجاباً؟ ام لا يحق لهم التدخل في موضوع يقع خارج دائرة اختصاصهم؟
ويردف البروفيسور هوارد زين قائلاً:
وقد جرت مناقشات صاخبة حول الموضوع وانقسم المؤرخون الى قسمين: قسم يقول بضرورة خروج الولايات المتحدة من فيتنام، وقسم يقول العكس. وقال البعض: نحن مؤرخون اكاديميون ندرس في الجامعات، وليس مهمتنا ان نقول للقادة السياسيين ماذا ينبغي ان يفعلوا أو لا يفعلوا في فيتنام.
وراح كل واحد يتنصل من القضية ويقول: هذه ليست مشكلتي! ولكنها مشكلة من اذن؟ واذا كان المواطن لا يعطي رأيه في قضية مصيرية تهم شعبه كله فبأي شيء سيتدخل اذن؟ ثم ان السؤال المطروح هو التالي:
هل المثقف مواطن ام لا؟ وهل تنعكس عليه الامة ام لا؟ وبالتالي فإن المثقف الحقيقي هو ذلك الذي يلتزم بقضايا الشعب والامة، ولا يحق له ان يتهرب من ذلك بحجة انه اكاديمي مهتم باختصاصه فقط ولا يعنيه ما يحدث خارجه.
والواقع ان الفيلسوف الفرنسي جان بول سارتر كان قد طرح المسألة، نقصد مسألة الالتزام في الادب، منذ الستينيات او حتى الخمسينيات من القرن العشرين، وكان رأيه ان الاديب ملتزم شاء أم أبى وانه لا يوجد فن من اجل الفن، وانما من اجل الحياة.
وبالتالي فلا يوجد تعارض في ان تهتم باختصاصك أو ادبك من جهة، وان تهتم بقضايا مجتمعك من جهة اخرى ثم يردف متسائلاً:
كم مرة سمعتهم بعد 11 سبتمبر يقولون لنا: ينبغي ان نكون موحدين في مواجهة الخطر؟ اميركا مهددة بالارهاب وشعبها ينبغي ان يتضامن مع بعضه البعض ضد الارهابيين. ولكن على اي شيء ينبغي ان نكون موحدين؟
الصحافي دان رازر يقول: ان الرئيس بوش هو رئيسنا وقد امرنا بالتوحد لمواجهة الخطر وينبغي ان نتوحد ونلبي طلبه.
ثم يردف المؤلف قائلاً: اني استغرب هذا الكلام فالسيد دان رازر صحفي وأول شيء ينبغي ان يلتزم به الصحفي هو ان يفكر بنفسه، لا ان يكون اداة طيعة في يد السلطة. فنحن نعيش في بلد ديمقراطي ولسنا قطيعاً من الاغنام لكي نطيع الرئيس في كل شيء.
والصحفي اذا لم يكن حراً ازاء السلطة فإنه يفقد اهميته ومصداقيته، فهل تحولنا الى بلد ديكتاتوري في عهد الرئيس بوش يا ترى؟ من المعلوم ان الصحافة في البلدان الديكتاتورية ذات الحزب الواحد تردد كالببغاوات ما تقوله السلطة.
ومن يستطيع ان يقرأ صحافة البلدان الشيوعية او الديكتاتورية؟ انها تكذب على طول الخط ولا تقول الحقيقة عن اي شيء، وكلنا يتذكر ما حصل في الاتحاد السوفييتي والبلدان الشيوعية سابقاً.
فقد كان الناس هناك يتلقفون الاخبار الآتية من جهة الغرب وجرائده واذاعاته الحرة ولا يولون اي مصداقية للاعلام الشيوعي المدجن. ولهذا السبب سقط النظام الشيوعي وانتصر عليه النظام الليبرالي الذي يؤمن بتعددية الصحافة والفكر. فالناس تشعر بالاختناق في ظل الحزب الواحد والفكر الواحد. الناس تريد التغيير، وتعددية الاصوات، وحتى الاختلاف وحرية التعبير الخ.. وهذه اشياء غير موجودة إلا في البلدان الديمقراطية فهل يريد السيد بوش ان نتحول الى دولة توتاليتارية تخنق حرية الصحافة؟
ثم يقول المؤلف بأن من واجب الفنان ان يفكر خارج الاطر الرسمية للسلطة لانه يمثل صوت الحرية عادة، والمجتمع الذي يخنق اصوات مفكريه وفنانيه هو مجمع مدان، والفنان الحر هو ذلك الشخص الذي يتجرأ على معارضة السلطة اذا لزم الامر.
واكبر دليل على ذلك الكاتب الاميركي الشهير مارك توين. فقد وقف ضد بلاده عندما انخرطت في الحرب ضد اسبانيا عام 1898 كما وعارض الحرب التي شنتها اميركا على الفلبين وقد كانت حرباً طويلة وقذرة على عكس الحرب ضد اسبانيا التي كانت قصيرة وسهلة وبدون ضحايا كثيرة.
اما الحرب على الفلبين فكانت مختلفة كما قلنا. وهي تمثل بشكل من الاشكال تمهيداً للحرب ضد فيتنام. وهي الحرب التي حصلت فيما بعد بنصف قرن أو اكثر قليلاً.
ثم يضرب المؤلف كمثل على الصحافي الحر شخصاً يدعى «ستون» وكان يكتب مقالات لكبريات الجرائد الاميركية، وفجأة اكتشف انه لا يستطيع ان يتطرق الى موضوعات معينة، ولا يستطيع ان يعبر عن افكار مخالفة لافكار رئيس التحرير أو التيار السائد في اوساط السلطة، وعندئذ قرر ترك هذه الجرائد وتأسيس مجلة خاصة به للتعبير عن كل افكاره بحرية ثم راح يحاضر مرة في طلبه كلية الصحافة ويقول لهم: هل تريدون ان تصبحوا صحافيين جيدين؟ تذكروا اذن هاتين الكلمتين: الحكومة تكذب! كل الحكومات تكذب بدون استثناء وانتم من واجبكم ان تقولوا الحقيقة للشعب!
نسمة- Admin
- المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى