قطرات من السحاب الاحمر//مصطفى صادق الرفاعى
صفحة 1 من اصل 1
قطرات من السحاب الاحمر//مصطفى صادق الرفاعى
عاش مصطفى صادق الرافعي بين عامي 1880 و1937, ولد في قرية بهتيم بمديرية القليوبية بمصر, لأسرة لبنانية كانت تقيم في طرابلس الشام وهاجرت إلى مصر, حيث اشتغل معظم أفرادها بالقضاء الشرعي. وقد بدأ حياته الوظيفية كاتبا بمحكمة طلخا الشرعية - بعد أن حفظ القرآن وجوده وأتمّ تعليمه الابتدائي والثانوي - ثم نقل إلى محكمة إيتاي البارود ثم استقر في طنطا حتى وفاته.
وكما كان مصطفى لطفي المنفلوطي علما على مدرسته في الكتابة, وصاحب أسلوب ظل سائدا لعقود كثيرة في مستهل القرن الماضي, فإن الرافعي - بدوره - أصبح بعد المنفلوطي رمزا لمدرسة أسلوبية مغايرة, سادت بدورها وكان لها تلاميذها ومريدوها والمتحمسون لها, بالرغم من تصنيف صاحبها ممثلا للمدرسة القديمة التي ثار عليها المجددون. لكن قراءه لم ينسوا له أنه وقف نثره - في معظمه - على القضايا الاجتماعية والدينية والفكرية, وأنه خاض عدة معارك ضارية دفاعا عن القيم الدينية والإسلام, فأصبحوا ينظرون إليه باعتباره كاتبا إسلاميا قبل أي شيء آخر.
وقد عُرف عن الرافعي حبه للأديبة (ميّ) صاحبة الصالون الأدبي الشهير, والكتابات الشعرية والنثرية المرهفة - بالعربية والفرنسية - وإن كان حبا من طرف واحد. وقد عبّر الرافعي عن هذا الحب اليائس في رسائل أدبية - متوهجة بروح الشعر والاشتعال العاطفي - ضمنها كتابيه: (أوراق الورد) و(السحاب الأحمر).
يرى محمد سعيد العريان - تلميذ الرافعي ومريده الكبير - في تقديمه لكتاب (السحاب الأحمر) أنه كتاب يقوم على سبب واحد, حول فلسفة البغض وطيش الحب ولؤم المرأة - على أن كل ما فيه لا يشير إلا لمعنى واحد: هو أن قلبا وقع في أسر الحب يحاول الفكاك فلا يستطيعه, فما يملك إلا أن يصيح بملء فمه: (إنني أبغضك أيتها... أيتها المحبوبة!).
ثم يقول العريان: (كنت مع الرافعي مرة في مكتبه وبيننا هذا الكتاب يقرأ لي بعض فصوله, فاستمهلته عند فقرة مما يقرأ ليجيبني عن سؤال يكشف عن شيء من خبرها ومن خبره, فوضع الكتاب إلى جانبه وحدّق فيّ طويلا, ثم سكت, وسبحت خواطره إلى عالم بعيد, وراحت أصابعه تعبث بما على المكتب من أشيائه, ثم قال: (أرأيت القلم الذي تراءى لي السحاب الأحمر في نصابه بين عينيّ والمصباح?). ثم دسّ يده في درج المكتب فأخرجه إليّ وهو يقول: (ضع النصاب بين عينيك والمصباح وانظر. ألست ترى سحابا يترقرق بالدم كأن قلبا جريحا ينزف? في شعاعة هذا النور تراءت لي هذه الخواطر التي تقرؤها في السحاب الأحمر). ثم عاد إلى الصمت ولم أعد إلى السؤال!
في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه (السحاب الأحمر) لا ينسى الرافعي أنه شاعر, فيقول:
من للمحبّ ومن يُعينه?
والحب أهنؤهُ حزينهُ!
أنا ما عرفتُ سوى قساوته
فقولوا كيف لينُه?
إن يُقض دينُ ذوي الهوى
فأنا الذي بقيت ديونُه
قلبي هو الذهب الكريم
فلا يفارقُه رنينُه
قلبي هو الألماس يعرف
من أشعته ثمينُه
قلبي يُحب وإنما
أخلاقُه فيه ودينُه
حتى يقول:
ويلي على متدلّلٍ
ما تنقضي عنه فنونُه
كيف السلو وفي فؤادي
لا تُفارقني عُيونُه?
وكما كان مصطفى لطفي المنفلوطي علما على مدرسته في الكتابة, وصاحب أسلوب ظل سائدا لعقود كثيرة في مستهل القرن الماضي, فإن الرافعي - بدوره - أصبح بعد المنفلوطي رمزا لمدرسة أسلوبية مغايرة, سادت بدورها وكان لها تلاميذها ومريدوها والمتحمسون لها, بالرغم من تصنيف صاحبها ممثلا للمدرسة القديمة التي ثار عليها المجددون. لكن قراءه لم ينسوا له أنه وقف نثره - في معظمه - على القضايا الاجتماعية والدينية والفكرية, وأنه خاض عدة معارك ضارية دفاعا عن القيم الدينية والإسلام, فأصبحوا ينظرون إليه باعتباره كاتبا إسلاميا قبل أي شيء آخر.
وقد عُرف عن الرافعي حبه للأديبة (ميّ) صاحبة الصالون الأدبي الشهير, والكتابات الشعرية والنثرية المرهفة - بالعربية والفرنسية - وإن كان حبا من طرف واحد. وقد عبّر الرافعي عن هذا الحب اليائس في رسائل أدبية - متوهجة بروح الشعر والاشتعال العاطفي - ضمنها كتابيه: (أوراق الورد) و(السحاب الأحمر).
يرى محمد سعيد العريان - تلميذ الرافعي ومريده الكبير - في تقديمه لكتاب (السحاب الأحمر) أنه كتاب يقوم على سبب واحد, حول فلسفة البغض وطيش الحب ولؤم المرأة - على أن كل ما فيه لا يشير إلا لمعنى واحد: هو أن قلبا وقع في أسر الحب يحاول الفكاك فلا يستطيعه, فما يملك إلا أن يصيح بملء فمه: (إنني أبغضك أيتها... أيتها المحبوبة!).
ثم يقول العريان: (كنت مع الرافعي مرة في مكتبه وبيننا هذا الكتاب يقرأ لي بعض فصوله, فاستمهلته عند فقرة مما يقرأ ليجيبني عن سؤال يكشف عن شيء من خبرها ومن خبره, فوضع الكتاب إلى جانبه وحدّق فيّ طويلا, ثم سكت, وسبحت خواطره إلى عالم بعيد, وراحت أصابعه تعبث بما على المكتب من أشيائه, ثم قال: (أرأيت القلم الذي تراءى لي السحاب الأحمر في نصابه بين عينيّ والمصباح?). ثم دسّ يده في درج المكتب فأخرجه إليّ وهو يقول: (ضع النصاب بين عينيك والمصباح وانظر. ألست ترى سحابا يترقرق بالدم كأن قلبا جريحا ينزف? في شعاعة هذا النور تراءت لي هذه الخواطر التي تقرؤها في السحاب الأحمر). ثم عاد إلى الصمت ولم أعد إلى السؤال!
في مقدمة الطبعة الأولى من كتابه (السحاب الأحمر) لا ينسى الرافعي أنه شاعر, فيقول:
من للمحبّ ومن يُعينه?
والحب أهنؤهُ حزينهُ!
أنا ما عرفتُ سوى قساوته
فقولوا كيف لينُه?
إن يُقض دينُ ذوي الهوى
فأنا الذي بقيت ديونُه
قلبي هو الذهب الكريم
فلا يفارقُه رنينُه
قلبي هو الألماس يعرف
من أشعته ثمينُه
قلبي يُحب وإنما
أخلاقُه فيه ودينُه
حتى يقول:
ويلي على متدلّلٍ
ما تنقضي عنه فنونُه
كيف السلو وفي فؤادي
لا تُفارقني عُيونُه?
نسمة- Admin
- المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007
رد: قطرات من السحاب الاحمر//مصطفى صادق الرفاعى
وفي الفصل الثاني من كتاب (السحاب الأحمر), وعنوانه: النجمة الهاوية, طائفة من الخواطر في طائفة من النساء كتب الرافعي يقول:
(وترقرق السحاب فإذا هو كنضح الدم, وإذا هو يفور فوْرهُ, فبان كأنما يتدفق من طعنةٍ أرى دمها ولا أرى موضعها, لأن هذا الشلال الأحمر يتفجر منها.
ورأيتها هي طالعة كالشمس حين تغرب مُحمرّة يتغالب طرفا الليل والنهار عليها, ففيها أواخر النور وأوائل الظلمة, وسوادها يمشي في بياضها.
قلت يوماً في صفة إحدى القصائد البديعة: إنها فن من الشعر, وفي إحدى الصور المُحكمة: إنها فن من التصوير, وفي تلك الجميلة: إنها فن من المرأة, أما الآن فقد عرفنا أن اصفرار الشمس إيذان بسواد نصف أرضها.
ويقول العرب: امرأة مجلوّة, ويفسرون ذلك بأنك إذا رامقْتَ فيها الطرف جال, يعنون أنها من جمالها ذات شعاع, فيجول الطرف فيها لأجل شعاعها وبريقها, أفلا يجوز لنا أن نزيد في هذه اللغة: وامرأة صدئة, ونفسرها بأنها هي التي إذا اتصلت بها تركت مادة الصدأ على روحك اللامع, لأنها كهذا الصدأ طينت على طينتها!
***
لست أريد أن أصنع في هذا الفصل كتابة حتى لا أدير الكلام على شيء, فقد مسخت تلك النفس في نفسي فخلصت لي منها هذه الكلمة الجميلة: (تتم آمالنا حين لا نؤمّل), ولكني مرسل مطرة سحابي تهطل ما هطلت. فالمرأة الأولى أضاعت على الرجل جنّته, ومن نسلها نساء يُضيّعن على الرجل الجنة وخيالها! ولو استطاعت الأرض أن تفرّ من تحت قدمي مخلوق براءة منه, لكان أول من تختزل تحت رجليه واحدة من هذا النوع!
ملْحُ الله لا يحلو أبداً, فماذا تصنع في نفسٍ لو سالت لكانت بحيرة?
***
بعض النساء تنقص بها الحزن, وبعضهنّ تغيّر بها الحزن, وبعضهن تتم بها حزنك.
***
في قلب الرجل ألف باب, يدخل منها كلّ يومٍ ألف شيء, ولكنْ حين تدخل المرأة من أحدها لا ترضى إلا بأن تُغلقها كلها!
***
النساء منجمُ السعادة, فرجل واحد لا يكاد يمدّ يده حتى يضعها على الجوهرة المشرقة, ومائة رجل يغربلون حصى المرأة وترابها ليجدوا فيها شذْرةَ تلمع!
***
كم من امرأة جميلة تراها أصفى من السماء, ثم تثور يوماً فلا تدل ثورتها على شيء إلا كما يدل المستنقع على أن الوحل في قاعه, فأغْضِب المرأة تعرفها!
***
الحبيب من تلتهمه بكلّ حواسك, فإذا رأيته فقد رأيته وسمعْته وذقته ولمسْته وشممته, والبغيض من تقيئه من كل حواسك.
***
في المرأة حقيقة, ولكنها لن تعرفها إلا بفكر رجل, فالكاملة من لا تسيء أحدا, وإلا أساءت إلى حقيقتها!
***
تجاورت شجرة من الحسك (أي الشوك) وشجرة من الورد, فزهت الورة زهواً عاطرا بطبيعة العطر الذي في مادتها. فقالت لها الحسكة: ويحك! ما هذا الزهو الذي أفسدت به محلك من نفسي? قالت الوردة في كلام هو عطر آخر: لا تتعبي نفسك في تحقيري, فلست أفهم لغة الشوك إلا إذا كان يُنبت الورد!
***
يا من على الحب ينسانا ونذكرهُ
لسوف تذكرنا يوماً وننْساكا
إن الظلام الذي يجلوك يا قمر
له صباح متى تُدركُهُ أخفاكا)
***
في موضع آخر من كتابه (السحاب الأحمر) يُطلعنا الرافعي على نموذج كاشف ومُعبّر, عن أسلوبه الأدبي في هذا اللون من كتاباته. صياغة متأنقة, ومفردات تشي باتكائه على موروث اللغة وحديثها في آن, وسيطرة كاملة على أدواته, ووجدان يعتصم بالكبرياء وهو يسترُ نزفه الداخلي وأنينه الخافت خشية افتضاح أمره!
يقول الرافعي وهو يتحدث عن صاحبة أجنبية لأحد أصدقائه: (أما صاحبته فامرأة فرنسية, جميلة الوجه في طلعة الصبح, شابة الجسم شباب الضحى, ملتهبة الأنوثة كشعاع الظهيرة, رقيقة الطبع رقة الأصيل, زاهية المنظر في مثل شفق المغرب من تأنقها, ثم هي تنتهي من كل ذلك إلى مخبرٍ أشد ظلمة من سواد الليل.. ومن أين اعتبرتها ألفيتها رذيلة مهذبة يترقرق فيها ماء العلم ويجول في حسنها شعاع الفلسفة, كأنها عين فاتنة تدور فيها دمعة دلال!
ولم أكد أراها حتى أخذني جمالها, فإن لها عينين ركّبتا تركيبا يجر المصائب على القلب, تلقيان أشعة ضاحكة أو عابسة, يُخلّقُ منها للقلوب حوادث وتواريخ, وترمي بنظرات تُبرئ الصدور أو تُمرضها, وتبسم بوجهها كلّه نوعا من الابتسام يكاد يسيل من كل ناحية في وجهها قبلات, أما افترار شفتيها فهو جمال على حدة, يشبه نقل معاني الخمر من فمٍ إلى فم.
امرأة ساحرة, لا أدري إن كانت بُنيت على السحر أو على الحب, ولا إن كان هذا الحب قد خُلق لعنة عليها, أم هي خُلقت لعنة عليه, والحبُّ دائما بركة امرأة, ولعنة امرأة! والتي تزرعه في كل مكان هي التي لا تحصد منه شيئا, فإن نالها شيء منه كان تعباً عليها روْحاً لسواها.
وأشد ما في هذه المرأة الجميلة من الفتنة, اجتماع شهواتها في صوتها النديّ المُستطرب المتحزّن, الذي لا يخلو أبداً من حرفٍ تسمع فيه همس قبلة من قبلاتها!
بيد أني مع كل ذلك استعصمتُ بفلسفتي وحكمتي, فلم أرها إلا في مثل حريرة التفاحة? إذا أفرط عليها النضج فابيضّت واحمرّت وفاحت ولمعت وإنّ العفنَ لَبادٍ من تحتها يُحذّر منها ويُنذر, وفي مثل فروة الدبّ: استرسلت ولانت في نعومتها ولكن لا منفعة منها إلا بقتل لابسها وإزهاق الحيوان كله في سبيل الجمال الظاهر من جلده.
ونظرت إليها نظرة تخطّت بها الشباب وأيامه, فإذا هي بائسة أملق الدهر حُسنها وكان ذهبا على جسمها وفضة, وإذا هي عجوز هالكة قد انحنت تحت لعنات ماضيها وتركتها دنياها كالسجن المتهدم, لا يُذكّر مع انتقاضه إلا بلصوصه ومجرميه وعقابهم وآثامهم, وتشقى بمعانيه بعد الخراب حتى حجارته وحتى ترابه!
وأبصرتُ في هذه الحسناء اللّعوب التي تستوقدها الضحكة بعد الضحكة, تلك الهامدة المريضة التي تُطفئها الحسرة بعد الحسرة, وسقطت الشجرة الخضراءُ النامية فإذا في مكانها جذْع خشبي مُلْقى زهيد فيه نور السماء وطين الأرض معا!
وتمثلت لي هذه المتكئة على طرازها وأرائكها, تتبرج في سندسها وحريرها, فرأيتها ممدودة في حفرتها مُسجاة بأكفانها, قد هيل عليها ترابها ولم يرحمها راحم ولا النسيان يستر رذائلها عند من عرفوها, وقد اجتمع عليها بعد عشاقها من دود الناس عشاق آخرون من دود الأرض, ويفنى جسمها حين يفنى, ويبقى ضميرُها الروحي إلى الأبد ضمير مومس!
فلما وضعتُ أمرها على ما خُيّل إليّ من عاقبتها, إذا هي تفور كما يفور النبع القذر بالحمأة التي فيه, وإذا هي كالخشبة المتقدة في حريقها: من فوقها ظُلَلٌ من النار ومن تحتها ظلل, وإذا جمالها قد استحال في عينيّ وانفصل منها فأظهرها وظهر معها في بريق الزجاجة من الخمر بجانب السكّير المتحطم, تتساقط نفسه مرضا وسكرا, فكل ما كان فيها جمالا فهو فيه أقبح القبح!
ورثيت لها أشدّ رثاء وأبلغه في الرحمة والرقة, حتى عادت نظراتها تقطر على نفسي دموعا سخينة كدموع الذلّ! ويا حرّة قلبي من الإشفاق عليها وأنا أرى في احمرار جمْرتها سواد فحمها, وفي أسباب سرورها أسباب همّها, ويا لهفي عليها إذ أرى هذه الجميلة التي لم تنظر أكثر ما نظرت إلا إلى خطيئة, ترفع نظرها أحيانا إلى السماء بقوة, في داخلها, كأنها تقول لمن يفهم عنها: إنْ هنا القدَر وهناك المُقدّر!
ويا بؤسها حين لم تعد تظهر في روحي إلا كما يتخايل ظل القمر في الماء: أنظرُ فيه الصورة من غير معنى, والضوء من غير قبس, وأرى فيه الخيال وليس فيه القمر!).
***
وأخيرا, يقول الرافعي:
(لا يصحّ الحب إلا بين اثنينْ إلا إذا أمكن لأحدهما أن يقول للآخر: يا أنا.. ومن هذه الناحية كان البغضُ بين الحبيبين - حين يقع - أعنف ما في الخصومة, إذ هو تقاتل روحين على تحليل أجزائهما الممتزجة, وأكبر خصيمين في عالم النفْس, مُتحابّان, تبَاغَضا)
عن الشاعر فاروق شوشة
نسمة- Admin
- المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007
رد: قطرات من السحاب الاحمر//مصطفى صادق الرفاعى
الكتاب : أوراق الورد ..
المؤلف : مصطفى صادق الرافعي
هذا الديوان للكاتب الكبير مصفى صادق الرافعي عبارةعن رسائل حب بين الكاتب ومحبوبته وهو تكملة على كتابين للمؤلف (( رسائل الاحزان)) و(( السحاب الاحمر )) فيهم مجما اراءالكاتب في فلسفة الجمال والحب
وأوصافهما كما ذكر ..
وقد قال عنهما الفيلسوف ابن سينا : (( كلاهما يحب صاحبه ..باعتبار عقلي )).. وقد اخترت لكم بعض المقتطفات من هذه الرسائل
البلاغة تتنهد
لقد كنت أحسب فيما حسبت _ بعد أن طّوحت بنا النوى وضرب الدهر بيننا _
أن سعادة الفكرالمتصل بي منك والمتصل بك مني تخفف عني بعض ما أجد فتنقل خفقة قلب إلى قلب ,
وترسل لمحة نفس إلى نفس
وتعطي العمر ولو عمر ساعة من غير هذا الزمن ,فأقطع إليك هذه المسافة المتراخية بقوة كقوة الأحلام ..
لا تدع في الكون أبعاداً ولا مسافة بل تحويه كما تحوي المرآة المصورة التي تقابلها , تتراءى فإذا هي مرسومة كما هي منظورة
ولكن يا أسفاه !
لقد أرتني الحقيقة أن الحياة مادة , وأن هذه المعاني المحبوبة التي نحفظها ممن نحبهم لا تزال تنازع دائماً الى أشخاصها المحبوبين
ليخففوا من لوعتها أو قل ليزيدوا في لوعتها .. فإن الحب هو الطرف الشاذ الذي لم يعرف له وسط
فإن لم يكن ذاهباً الى الزيادة مطرداً بها , كان غير شك منحدراً إلى النقص مستمراً فيه ....
وكم حار عشاق ولا مثل حيرتي **** إذا شئت يوماً أن أسوء حبيبي
وهل لي قلب غير قلبي يسوؤه **** ويأخذ لي في الكبرياء نصيبي ؟
ألا ليت لي قلبين : قلب يحبه **** مريض , وقلب بعد ذاك طبيبي
وياليت لي نفسين : من رئم روضة *** ألوف , ومن ذي لبدتين غضوب
فوالله إن الحـب خيــر محاسنــي **** ووالله إن الحب شـر عيوبــي
صرخة ألم
سألته مره أن يكتب إليها في أوصاف الألم وفلسفته قالت : لأن قلبي يجد فيك يا أستــــاذي ... من يؤلمه , أعني يداويه مما يؤلمه !
فكتب هذه الرسالة
وقفت يوماً على شاطيء البحر , فخيل إلي أنه عين تبكي بها الكرة الأرضية بكاء على قدرها , وتأملت الجبال فحسبتها هموماً ثقيلة مطبقة على صدر الأرض ,
وفكرت في البراكين فقلت لوعة أحزانها تثور وتهمد .
ثم رجعت بهذا النظر في الانسان فإذا له على قدره بحرٌ وجبال وبراكين .
عند الطبيعة : لا ألم ولكنه نظام , وعند الإنسان : لا نظام ولكنه ألـم ...
الأشواق
هأنذا يا حبيبتي أجلس لكتاب الشوق وفي يدي القلم ومعانيك مني قريبة تكاد تحس وتلمس على تباعد ما بيننا لأنه كل ما فيك هو في قلبي ..
هذه عينيك من وراء البعد تلقي علي نظرات استفهامها فتدع كل ما حولي من الأشياء
مسائل تطلب جوابها من حضورك ومرآك لا غير وبذلك يهفو إليك القلب بأشواق لا تزال تتوافى ..
فلا تبرح تتجدد فهي لا تهدأ ولا تسكن ..
وكأن غيابك سلب الأشياء في نفسي حالة عقلية كانت لها .. كما سلبني أنا حالة قلبية
إنه ليس معي إلا ظلالها حية تروح وتجيء في ذاكرتي , وكل ما كان ومضى هو في هذه الظلال الحية كائن لا يفنى .
وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة بأسره مترجماً إلى لغة عينيه , أصبحت أراها في هجرها طبيعة حسن فات مترجمة
بجملتها إلى لغة فكري .
أريدها لا تعرفني ولا أعرفها , لا من شيء إلا لأنها تعرفني وأعرفها .. تتكلم ساكتة وأرد عليها بسكوتي .
صمت ضائع كالعبث ولكن له في القلبين عمل كلام طويل ..
المؤلف : مصطفى صادق الرافعي
هذا الديوان للكاتب الكبير مصفى صادق الرافعي عبارةعن رسائل حب بين الكاتب ومحبوبته وهو تكملة على كتابين للمؤلف (( رسائل الاحزان)) و(( السحاب الاحمر )) فيهم مجما اراءالكاتب في فلسفة الجمال والحب
وأوصافهما كما ذكر ..
وقد قال عنهما الفيلسوف ابن سينا : (( كلاهما يحب صاحبه ..باعتبار عقلي )).. وقد اخترت لكم بعض المقتطفات من هذه الرسائل
البلاغة تتنهد
لقد كنت أحسب فيما حسبت _ بعد أن طّوحت بنا النوى وضرب الدهر بيننا _
أن سعادة الفكرالمتصل بي منك والمتصل بك مني تخفف عني بعض ما أجد فتنقل خفقة قلب إلى قلب ,
وترسل لمحة نفس إلى نفس
وتعطي العمر ولو عمر ساعة من غير هذا الزمن ,فأقطع إليك هذه المسافة المتراخية بقوة كقوة الأحلام ..
لا تدع في الكون أبعاداً ولا مسافة بل تحويه كما تحوي المرآة المصورة التي تقابلها , تتراءى فإذا هي مرسومة كما هي منظورة
ولكن يا أسفاه !
لقد أرتني الحقيقة أن الحياة مادة , وأن هذه المعاني المحبوبة التي نحفظها ممن نحبهم لا تزال تنازع دائماً الى أشخاصها المحبوبين
ليخففوا من لوعتها أو قل ليزيدوا في لوعتها .. فإن الحب هو الطرف الشاذ الذي لم يعرف له وسط
فإن لم يكن ذاهباً الى الزيادة مطرداً بها , كان غير شك منحدراً إلى النقص مستمراً فيه ....
وكم حار عشاق ولا مثل حيرتي **** إذا شئت يوماً أن أسوء حبيبي
وهل لي قلب غير قلبي يسوؤه **** ويأخذ لي في الكبرياء نصيبي ؟
ألا ليت لي قلبين : قلب يحبه **** مريض , وقلب بعد ذاك طبيبي
وياليت لي نفسين : من رئم روضة *** ألوف , ومن ذي لبدتين غضوب
فوالله إن الحـب خيــر محاسنــي **** ووالله إن الحب شـر عيوبــي
صرخة ألم
سألته مره أن يكتب إليها في أوصاف الألم وفلسفته قالت : لأن قلبي يجد فيك يا أستــــاذي ... من يؤلمه , أعني يداويه مما يؤلمه !
فكتب هذه الرسالة
وقفت يوماً على شاطيء البحر , فخيل إلي أنه عين تبكي بها الكرة الأرضية بكاء على قدرها , وتأملت الجبال فحسبتها هموماً ثقيلة مطبقة على صدر الأرض ,
وفكرت في البراكين فقلت لوعة أحزانها تثور وتهمد .
ثم رجعت بهذا النظر في الانسان فإذا له على قدره بحرٌ وجبال وبراكين .
عند الطبيعة : لا ألم ولكنه نظام , وعند الإنسان : لا نظام ولكنه ألـم ...
الأشواق
هأنذا يا حبيبتي أجلس لكتاب الشوق وفي يدي القلم ومعانيك مني قريبة تكاد تحس وتلمس على تباعد ما بيننا لأنه كل ما فيك هو في قلبي ..
هذه عينيك من وراء البعد تلقي علي نظرات استفهامها فتدع كل ما حولي من الأشياء
مسائل تطلب جوابها من حضورك ومرآك لا غير وبذلك يهفو إليك القلب بأشواق لا تزال تتوافى ..
فلا تبرح تتجدد فهي لا تهدأ ولا تسكن ..
وكأن غيابك سلب الأشياء في نفسي حالة عقلية كانت لها .. كما سلبني أنا حالة قلبية
إنه ليس معي إلا ظلالها حية تروح وتجيء في ذاكرتي , وكل ما كان ومضى هو في هذه الظلال الحية كائن لا يفنى .
وكما يرى الشاعر الملهم كلام الطبيعة بأسره مترجماً إلى لغة عينيه , أصبحت أراها في هجرها طبيعة حسن فات مترجمة
بجملتها إلى لغة فكري .
أريدها لا تعرفني ولا أعرفها , لا من شيء إلا لأنها تعرفني وأعرفها .. تتكلم ساكتة وأرد عليها بسكوتي .
صمت ضائع كالعبث ولكن له في القلبين عمل كلام طويل ..
نسمة- Admin
- المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى