روضة الثقافة والادب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

فن التأمل

اذهب الى الأسفل

فن  التأمل Empty فن التأمل

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 1:39 pm


الكتاب : فن التأمل

المؤلف : هارون يحي
***
هل تأملت يوماً كيف تنبت تلك الأزهار المزروعة في أحواض غرفة الجلوس من قلب تراب أسود فاحم موحل بألوان زاهية وشذىً عطر؟

هل شغلك انزعاجك من طيران البعوض حولك عن التفكر كيف انها تحرك أجنحتها بسرعة فائقة تجعلك غير قادر على رؤيتها؟

هل تفكّرت يوماً بأن قشور الفاكهة المهملة هي في حقيقتها أغلفة حافظة عالية الجودة، وبأن هذه الفاكهة - كالموز والبطيخ والبرتقال مثلاً- موضبة في داخلها بطريقة تحفظ طعمها وشذاها؟

هل تدبّرت يوماً كيف يمضي العمر حثيثاً، فتذكرت أنك سوف تشيخ وتصبح ضعيفاً وتفقد جمالك وصحتك وقوتك؟

هل فكرت في ذلك اليوم الذي سوف يرسل الله فيه ملائكة الموت لترحل معهم عن هذا العالم؟

ان الانسان هو المخلوق الذي أنعم الله عليه بملكة التفكير، ومع ذلك فإن معظم الناس لا يستخدمون هذه الملكة المهمة كما يجب، حتى أن بعض الناس يكاد لا يتفكر أبداً!..

في الحقيقة كل انسان يمتلك قدرة على التفكر هو نفسه ليس على دراية بمداها، وما ان يبدأ الانسان باستكشاف قدرته هذه واستخدامها، حتى يتبدى له الكثير من الحقائق التي لم يستطع أن يسبر أغوارها من قبل. وهذا الأمر في متناول أي شخص، وكلما استغرق الانسان في تأمل الحقائق، كلما تعززت قدرته على التفكر. ولا يحتاج الانسان في حياته سوى هذا التفكر الملي والمجاهدة الدؤوبة من بعده..


إن الهدف من هذا الكتاب هو دعوة الناس الى" التفكير كما ينبغي"، وإبراز الوسائل التي تساعدهم على ذلك. فالانسان الذي لا يتفكر يبقى بعيداً كليّاً عن إدراك الحقائق ويعيش حياةً قوامها الإثم وخداع الذات، وبالتالي فإنه لن يتوصل الى مراد الله من خلق الكون، ولن يدرك سبب وجوده على الأرض.. فالله سبحانه وتعالى خلق كل شيء لسبب، وهذه حقيقة ذكرها عز وجل في القرآن الكريم بقوله: ?وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين. ما خلقناهما الا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون? الدخان: ]38-39[. وقوله:?أفحسبتم أنما خلقناكم عبثاً وأنكم الينا لا ترجعون?] المؤمنون: 115[



هل تفكرت يوماً في كون كل شيء مسخّر للإنسان وحده؟

عندما يبحث المؤمن في كل ما في الكون من أنظمة وكل ما فيه من كائنات حيّة وجماد بعينٍ يقظة، يرى أنها كلها مسخّرة للإنسان، ويفهم أنه ليس في الوجود شيء جاء بمحض الصدفة، بل خلق الله كل شيء بإتقان لخدمة الإنسان.

فمثلاً يتنفس الإنسان كل الوقت دون بذل جهد، فالهواء الذي يستنشقه لا يحرق مجرى تنفسه ولا يصيبه الدوار ولا يسبب له أوجاعاً في الرأس، فنسب الغازات في الهواء ملائمة لجسم الإنسان. ومن يتفكر في هذه الأمور يتذكر نقطة أخرى هامة جداً، فلو كان تركز الأوكسيجين في الهواء أكثر قليلاً أو أقل قليلاً فما هو عليه لاختفت الحياة في الحالتين. فيتذكر عندها الأوقات العصيبة التي قضاها في الأماكن الخالية من الهواء الطلق. وفيما يتابع المؤمن التفكر في هذا الموضوع فإنه يشكر الله باستمرار لأنه يدرك بأن الغلاف الجوي للأرض كان يمكن ان يتألف مما تألفت به الغلافات الجوية لباقي الكواكب، ولكن الأمر ليس كذلك فالغلاف الجوي للأرض مخلوق بتوازن كامل وبترتيب يسمح للبلايين من الناس التنفس دون جهد.

ومن يستمر في التفكر في الكوكب الذي يعيش فيه، يفكر كم أن الماء الذي خلقه الله مهم لحياة الإنسان فيرد على ذهنه كون الناس بشكل عام يفهمون أهمية الماء فقط عندما يحرمون منه لفترة طويلة. فالماء مادة نحتاجها في كل لحظة من حياتنا. فعلى سبيل المثال، هناك كمية معتبرة من خلايا جسمنا ومن الدم الذي يصل إلى جميع أنحاء الجسم مكونة من الماء. ولو لم تكن كذلك فإن سيلان الدم سوف يقل ويصبح جريانه في العروق صعباً جداً. وسيلان الماء مهم ليس لأجسامنا فقط ولكن للنباتات أيضاً، حيث ان الماء يصل إلى أبعد أطراف اوراق الاشجار عبر المرور بأوعيتها الشبيهة بالخيوط.

كما ان كمية المياه الكبيرة في البحار هي التي تجعل أرضنا مأهولة. فلو أن نسبة البحار إلى اليابسة في الأرض كانت أصغر لتحولت اليابسة الى صحارى ولاستحالت الحياة.

والإنسان الحيّ الضمير الذي يتفكر في هذه الأمور مقتنع كلياً بأن إيجاد هذا التوازن الكامل على الأرض بالتأكيد ليس صدفة. وملاحظة كل هذا والتفكر فيه يظهر ان الله العظيم ومالك القدرة الأبدية خلق كل شيء لهدف.

بالاضافة إلى ذلك يتذكر هذا الإنسان ان هذه الأمثلة التي يتفكّر فيها هي غيض من فيض، وفعلاً من المستحيل إحصاء الأمثلة فيما يتعلّق بالتوازن الدقيق على الأرض، ومع ذلك فإن الإنسان الذي يتفكر يستطيع ملاحظة النظام والكمال والتوازن المنتشرفي كل زاوية من زوايا الكون وبالتالي يمكنه الوصول إلى خلاصة مفادها ان الله سخّر كل شيء للإنسان. ويذكر الله تعالى هذه الحقائق في القرآن الكريم بقوله:?وسخّر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكّرون? ]الجاثية:13
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة


 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى