روضة الثقافة والادب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

مختارات من رسائل الاديب /مصطفى صادق الرفاعى

اذهب الى الأسفل

مختارات  من  رسائل  الاديب /مصطفى  صادق  الرفاعى Empty مختارات من رسائل الاديب /مصطفى صادق الرفاعى

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:48 am

الرّافعيُّ : أبو السّامي مصطفى صادق ، ذاك الطودُ الشامخُ ، والعلمُ السامقُ ، الأصمُّ الذي ملأ الدنيا ضجيجاً وهو لا يسمعُ ، والذي لا يحملُ من العلمِ الرسميِّ ألا الشهادةَ الابتدائيةَ ، ومع ذلكَ فقدَ أودى بردودهِ كبارَ الدكاترةِ والعباقرةِ من الأدباءِ في عصرهِ .

لهُ نثرٌ ساحرٌ أخّاذٌ ، وهو شاعرٌ على جفافٍ في أكثرِ شعرهِ ، وجزالةٍ في بعضهِ ، وسموٍّ في أغراضهِ .

الكلامُ عن الرّافعيِّ وسيرتهِ ومكانتهِ ، لهُ موضوعٌ خاصٌّ ، جمعتهُ في وريقاتٍ ويحتاجُ إلى تهئةٍ وصفٍ ليُنشرَ في المنتدياتِ ويذاعَ .

ولكنّي هنا سأنقلُ لكم بعضاً من الرسائلِ التي جرتْ بينهُ ، وبينِ أبي ريّةَ محمودٍ ، وهي من أرقِّ الرسائلِ وأعذبها ، وكذلكَ من أجملها أسلوباً ، وأصدقها نقداً ، وفيها جرأةٌ وشفافيةٌ كبيرةٌ .

وهي من الكتبِ التي نفدت من قديمٍ ، ولم يُعدْ طبعها ، وكانَ آخرَ طبعاتها - وهي الثانيةُ - في سنةٍ 1969 م ، والعثورُ عليها شبهُ متعذّرٍ .

وأرجو أن تحوزَ على رضاكم ، وسأنقلُ لكم بعضها ، حتى تستطيبوا وقتها ، وتستلذوا قراءتها ، وتحتذوا حذوها في الترسّلِ .

وهذه هيَ :

<font color="#800080">1 - رأيهُ في أمتع ِ كتبِ النحوِ

( لمّا صحت نيتي على أن أتصلَ بشيخنا الرافعيّ – رحمه الله – رأيتُ أن أسألهُ عن أفضل كتبِ النحو والصرفِ – وقد كنتُ سألتُ قبل ذلكَ عن هذا الأمر المغفورَ لهُ الشيخ عبدالعزيز جاويش رحمه الله فأجابني أن خير كتبِ النحو ِ كتابُ سيبويه والمفصّل للزمخشري - )

طنطا في 20 ديسمبر سنة 1912

أيّها الأديبُ الفاضلُ

السلامُ عليكم ، وبعدُ ،

فإنّي أشكرُ لكَ ما أطريتَ وأحمدُ إليكَ كما أثنيتَ ، وأرجو أن تكونَ أهلاً لخير ٍ ممّا وصفتني بهِ – إن شاءَ اللهُ - ، فإنّ الأدبَ يرقبُ نوابغهِ دائماً من بينِ المعجبينَ بهِ والراغبينَ فيهِ وذوي الحرصِ عليهِ .
أمّا ما سألتَ من أمرِ كتبِ النحو ِ والصرفِ ، فيشقُّ علي أن أدلّكَ على غرضكَ منها ، لأنّي لستُ على بيّنةٍ من قوّتكَ في فهم كتبِ القوم ِ ، والبصر ِ بها ، غير أنّكَ لو سألتني عن أنفعِ وأمتعِ كتابٍ طُبعَ في النحوِ ، لدللتكَ على " شرحِ الكافيةِ للرضي " ، وهو كتابٌ ضخمٌ ليسَ في كتبِ العربيةِ ما يساويهِ بحثاً وفلسفةً .

وللرضي أيضاً شرحٌ على الشافيةِ في الصرفِ ، هو كصنوهِ في النحوِ لا يعدلهُ غيرهما ، فاشترهما ، وضُمّ إليهما كتابَ " متن ِ التوضيحِ " لابن هشام ٍ ، وشرحه ِ ، فإن لم تنتفعْ بالأولين انتفعتَ بالآخرين ِ .

وإلى اللهِ الدعاءُ في توفيقكَ وتسديدكَ ، وأذكرُ أنّي معجبٌ برغبتكَ في الأدبِ وإخلاصكَ لأهلهِ .

والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته

مصطفى صادق الرافعي

2 – رأيهُ في دراسةِ الأدبِ العربيّ

( لمّا جاءني أوّل كتابٍ من الرافعيّ – رحمهُ اللهُ – فرحتُ بهِ فرحاً شديداً ، وجعلتهُ ممن يجبُ الرجوعُ إليهم في أمرِ الأدبِ العربي ودراستهِ ، وقد عنّ لي أن أعرفَ رأيهُ في دراستهِ – وهو الإمامُ الحجة ُ – فكتبتُ إليهِ خطاباً في ذلكَ ، كانَ الجوابُ عنهُ هذا الكتابُ ) :

طنطا في 30 ديسمبر سنة 1912

أيّها الفاضلُ

إنّ أعمالي كثيرةٌ في هذه الأيام ِ ولذا أراني أبطأتُ في الردِ على كتابكَ ، وإنّي مجيبك عنهُ بإيجازٍ ، لأنّ ما سألتَ عنهُ يصعبُ التبسّطُ فيهِ على وجهٍ واحدٍ .

إنّكَ تريدُ امتلاكَ ناصيةِ الأدبِ – كما تقولُ - ، فينبغي أن تكونَ لكَ مواهبُ وراثية ٌ تؤديكَ إلى هذه الغايةِ ، وهي مالا يُعرفُ إلا بعدَ أن تشتغلَ بالتحصيل ِ زمناً ، فإن ظهرَ عليكَ أثرها وإلا كنتَ أديباً كسائرِ الأدباءِ ، الذينَ يستعيضونَ من الموهبةِ بقوّةِ الكسبِ والاجتهادِ .

فإذا رغبتَ في أقربِ الطرق ِ إلى ذلكَ فاجتهدْ أن تكونَ مفكّراً منتقداً ، وعليكَ بقراءةِ كتبِ المعاني قبلَ كتبِ الألفاظِ ، وادرسْ ما تصلُ إليهِ يدكَ من كتبِ الاجتماعِ والفلسفةِ الأدبيةِ في لغةٍ أوربيةٍ أو فيما عرّبَ منها .

واصرف همّكَ من كتبِ الأدبِ العربي – بادىء ذي بدءٍ – إلى كتابِ كليلةَ ودمنة والأغاني ورسائلَ الجاحظِ وكتابَ الحيوان ِ والبيانِ والتبيين لهُ ، وتفقّه في البلاغةِ بكتابِ " المثل ِ السائرِ " ، وهذا الكتابُ وحدهُ يكفلَ لكَ ملكةً حسنة ً في الانتقادِ الأدبي ، وقد كنتُ شديدَ الولعُ بهِ .

ثمّ عليكَ بحفظِ الكثيرِ من ألفاظِ كتابِ " نُجعةِ الرائدِ " لليازجي والألفاظِ الكتابيّةِ للهمذانيّ ، وبالمطالعةِ في كتابِ " يتيمةِ الدهرِ " للثعالبيّ والعقدِ الفريدِ لابن عبدربه وكتابِ " زهرِ الآدابِ " الذي بهامشهِ .

وأشيرُ عليكَ بمجلّتينِ تُعنى بقراءتهما كل العنايةِ " المقتطف والبيان " ، وحسبكَ " الجريدةُ من الصحفِ اليومية و " الصاعقة " من الأسبوعية ، ثم حسبكَ ما أشرتُ عليكَ بهِ فإنّ فيهِ البلاغ كلّهُ ، ولا تنسَ شرحَ ديوان ِ الحماسةِ وكتابَ نهجِ البلاغةِ فاحفظْ منهما كثيراً .

ورأسُ هذا الأمر ِ بل سرّ النجاح ِ فيهِ أن تكونَ صبوراً ، وأن تعرفَ أن ما يستطيعهُ الرجلُ لا يستطيعهُ الطفلُ إلا متى صارَ رجلاً ، وبعبارةٍ صريحةٍ إلا من انتظرَ سنواتٍ كثيرة .

فإن دأبتَ في القراءةِ والبحثِ ، وأهملتَ أمرَ الزمن ِ – طالَ أو قصرَ – انتهى بكَ الزمنُ إلى يوم ٍ يكونُ تاريخاً لمجدكَ ، وثواباً لجدّكَ .

والسلامُ عليكَ ورحمة ُ اللهِ .

الرافعي
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مختارات  من  رسائل  الاديب /مصطفى  صادق  الرفاعى Empty رد: مختارات من رسائل الاديب /مصطفى صادق الرفاعى

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:49 am


3 رأيّهُ في الكتبِ التي وعدَ الناسَ بها

( انقطعَ حبلُ المراسلةِ بيني وبين الرافعي – رحمه الله – زهاءَ ثلاث سنين ، كانت كالفترةِ التي انقطعَ فيها الوحيُ عن الرسول – صلواتُ الله عليهِ - ، ثم ترادفتْ علي بعد ذلك رسائلهُ ، وهذا هو أوّل كتابٍ منه بعد هذه الفترةِ ) :

طنطا في 21 يونيو سنة 1915

أيّها الأديبُ الفاضلُ

السلامُ عليكم ورحمة ُ اللهِ ، وبعدُ ،

فإنّي معتذرٌ إليكَ من تأخير ِ الرّدِ إلى الآن بالمرضِ الذي شغلني بنفسي منذ شهرينِ ، فقد كددت رأسي طويلاً وآن لي أن أستريحَ قليلاً .

أمّا كتابكم فقد تلوتهُ مستبشراً بميلكم هذا الميلَ إلى الأدبِ ، ويسرّني أن تستوعبوا ما تقرءونهُ حتى أتى لكم أن تستخرجوا أسماء الكتبِ التي سألتم عنها كالقرائحِ العربيةِ وغيرها ، ومن أجل ذلك لا أرتابُ في أنّ لك يوماً – إن شاء اللهُ – وهو سبحانهُ المسئولُ أن يأخذَ بيدكم إلى القصدِ ممّا تطلبون .

وأمّا هذه الكتبُ التي وعدتُ النّاسَ بها فالنيّةُ معقودة ٌ عليها ، وحسبكَ من جهتي أنا صحّة النيّةِ ، ولكن ماذا أصنعُ والناسُ عندنا ما تعلمونَ تخاذلاً وتقصيراً وبخلاً بالدراهمِ القليلةِ ينفقونها على الأدبِ ، وكيف لي أن أملأ الأسواقَ كتبي ، ويدي فارغةٌ .... ؟ .

لقد وضعتُ كتاباً صغيراً هذه الأيّام وهو " كتابُ المساكين " وأظنّكَ تُعجبُ به لو قرأتهُ ، غيرَ أنّي لم أجد من يُعينني على طبعهِ فطويتهُ وكنتُ أوشكتُ أن أتمّهُ ، وليسَ طبعهُ بالمُعجزِ ، فإنّه لا يُنفقُ فيهِ أكثرُ من خمسة وعشرين جنيهاً ! ، ولكنّي لا أجدها الآن فأينَ هي ؟! ، بل أين من يقولُ هاهي ؟! .

والجزءُ الثالثُ من التاريخِ لموعدكَ به بعد سنتين – إن شاءَ اللهُ – مع أنّي أكتبُ فيهِ أكثرَ من بضعة أشهر ٍ حتى يمثلَ للطبع ِ ، ولكن العجزُ في التكاليفِ ... فدعني ونفسي إنّ الشرقَ لا يزالُ شرقاً .

سألتني عن قاموس ٍ عربي تشتريهِ فليسَ أحسنَ ولا أوفى من " لسان ِ العرب " فإن أعياكَ أن تجدَه لقلةِ نسخهِ فالتمس تاجَ العروس ِ وأظنّهُ كثيرَ الوجود ِ ، وينبغي أن تجمعَ إليهِ " القاموسَ المحيطَ " للفيروزبادي " فإن التاجَ شرحٌ عليهِ ، وضمّ إليهما " أساسَ البلاغةِ " للزمخشري فلا غنى لأديبٍ عنهُ وهو رخيصٌ كذلكَ .

واعذرني أن لا أطيلَ في الكتابةِ ، فإن رأسي متألّمٌ ، وقد تركتُ القلمَ حتى يرزقَ اللهُ العافيةَ بحولهِ وقوّتهِ .

والسلامُ عليكم ورحمة الله .

الداعي

مصطفى صادق الرافعي

4 – رأيهُ في طبع كتبهِ

( لمّا جاءني هذا الكتابُ خاطبتُ الشيخ عبدالرحمن البرقوقي – رحمه اللهُ – في أن تتولّى مكتبةُ البيانِ طبع " كتابِ المساكين " على نفقتها ولم يكن في ذلك من عاب ، وعلى أن البرقوقي صهرٌ لشيخنا الرافعي وبينهما من الصلاتِ الأدبيةِ غير ذلك ما بينمها ، فقد تأثّر جداً وبعثَ إلي بهذا الخطابِ ) :

طنطا في 19 ديسمبر سنة 1915

أيّها الأخُ

السلامُ عليكَ ، وبعدُ ،

فإنّي شاكرٌ لكَ أدبكَ وغيرتكَ ومروءتكَ ، غيرَ أنّي أعتبُ عليكَ إذ كتبتَ للشيخِ البرقوقي ما كتبتَ ، فإنّي في كتابي الآخر إنّما اعتذرتُ عن عدمِ طبعِ كل كتبي لأنّي لا أملأ السوقَ ويدي خالية ٌ لا أستطيعُ أن أملأها ، وفرقٌ بينَ عدم ِ امتلاءِ اليدِ ، وبين ضيقها ، فإنّي – والحمدُ للهِ – في يُسرٍ وإن لم أكنْ في سعةٍ .

على أنّي كنتُ مريضاً يومئذٍ فكتابتي كانت مريضة كذلكَ ، والحمدُ للهِ على العافيةِ ، أسأله تعالى أن يدمها لي ولكم .......... ،

....... وأختمُ بالشّكرِ لكَ مرّة أخرى والسلامُ .

مصطفى صادق الرافعي

5 – رأيّهُ في كتابِ ذكرى أبي العلاء

( كتبنا إليهِ أن أحد الأدباءِ يقولُ : إن كتبَ الرافعي أكثر ثمناً من غيرها – وطلبنا منه أن يبيّن رأيهُ في كتابِ " ذكرى أبي العلاءِ " للدكتور طه حسين – وكذلكَ ذكرنا لهُ خطأ استعمال ِ لفظةِ " المستلم " التي جاءت في إيصالاتِ اشتراكِ " كتابِ المساكين " فجاءَ منهُ هذا الجوابُ ) :

طنطا في 30 ديسمبر 1915

أيّها الأخُ

السلامُ عليكم ، وبعدُ ،

... وذكرتم في كتابكم أنّ قائلاً يقولُ ... إنّ الغبنَ أن تكونَ 426 صفحة ً من ذكرى أبي العلاءِ بعشرةِ قروشٍ ، و 250 صفحة من كتابِ المساكين ِ بمثلها – أو كما قالَ - ، فهذا – ويحفظكَ اللهُ – سببٌ من أكبرِ أسبابِ سقوطِ الأدبِ عندنا ، إذ يُريدُ الناس ألا يعرفوا التأليف وكدّ العقول ِ إلا تجارة الورق ِ .... ، كما يصنعُ أصحابُ المكاتبِ الذين يشترونَ ورقاً أبيضَ ويبيعونهُ ورقاً أسود ، وكما يصنعُ سقاط المؤلفين الذينَ يصنعون هذا الصنيع لأنّه لا فرقَ بين صاحب مكتبةٍ يطبعُ كتابَ رجل ٍ ماتَ ، وبين مؤلّفٍ ينقلُ عن رجالٍ ماتوا ، كلاهما لا عملَ لهُ إلا نقلٌ وتصحيحٌ وما أهونهُ عملاً ! .

لقد قيلَ لي – مراراً – إن كتبي أكثر الكتبِ العربيّةِ رواجاً - ولعلّها كذلكَ - ، ولكنّي مع هذا لا أبيعُ حياتي بالثمن ِ البخس ِ ، وأنا واثقٌ أنّ لي عدداً من القرّاءِ يشترونَ كتبي بأي ثمن ٍ وجدوها به ، فما ضرّني أن أجعل القاريء منهم بخمسةٍ من مثل ذلك القائل ..... ! .

إنّها أسطرُ ضائعة ٌ أخطّها في هذا المعنى .... ! .

لم أقرأ " ذكرى أبي العلاءِ " ولا أعرفُ ما هي ، ولكن أخبرني أحدُ الذينَ ساعدوا في تأليفها – وهم ثلاثةٌ غيرَ صاحبها – أنّها ليست ممّا يُقالُ إنّهُ هناكَ ، ولا علمَ لي بالغيبِ وأستغفرُ اللهَ ولعلها من الكتبِ الممتعةِ .

غيرَ أنّ ثمنها ليس في تسعيرةِ أثمان ِ الموادِ الغذائيةِ ، فكيف يُريدُ صاحبكم أن يوجبَ على المؤلفينَ أن يبيعوا كل 42 صفحة بقرش ٍ واحدٍ ! .

أمّا لفظة ُ " المستلم ِ " فقد وقعتْ خطأ ، وقد طلبَ أحدهم إلى أبي عبيدة َ أن يكتبَ له كتاباً يستشفعُ بهِ إلى رجل ٍ من الأمراءِ ، فأملى أبو عبيدة على كاتبٍ وقال لهُ : اكتبْ والحن ، فإنّ اللحنَ مجدودٌ – أي محفوظٌ – صاحبهُ ... ! .

لا أعرفُ موعدَ صدورِ الكتابِ فللمطابعِ المصريةِ مواعيدُ غير معروفةٍ ..... وساعةُ المواعيدِ في مصرَ لا ضبطَ لها ولا يمكنُ أن تضبطَ إلا في يدِ نبيٍّ مصريٍّ – إن ظهرَ في مصرَ نبيٌّ آخرُ .... ! .

أختمُ كتابي بالشكرِ لكَ ... والسلام عليك .

من الداعي
مصطفى
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مختارات  من  رسائل  الاديب /مصطفى  صادق  الرفاعى Empty رد: مختارات من رسائل الاديب /مصطفى صادق الرفاعى

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:50 am


6 – يُثني علينا ويدعو لنا

طنطا في 2 يناير سنة 1916

أيّها الأخُ

السلامُ عليكَ ،

وإنّي شاكرٌ همّتكَ مُثن ٍ على مروءتكَ ، وأنتَ من أهل ِ الثناءِ والشكرِ ، وإن إخلاصَ مثلكَ لمن يُعاني الأدبَ لخليقٌ أن يكونَ ثواباً يغتبطُ بهِ الأدباءُ .

أسألُ اللهَ أن يسرّني بنبوغكَ ، وأن يجعلَ هذه المسرّةَ دانيةً قريبةً فإنّي أرى فجركَ قد بدأتْ تباشرهُ .

وسلامهُ تعالى ورحمته وبركاتهُ .

الداعي
مصطفى صادق الرافعي .

7 – رأيهُ في طريقةِ الجاحظِ في دراسةِ الأدبِ

( نزلتْ بنا نكبةٌ ماليّةٌ ذهبتْ بكل ما كانَ يملكُ أبي وخرجَ حكمُ قريتنا من بيتنا بعد أن ظلّ فيهِ قروناً طويلة يتولاّهُ الخلفُ منهم عن السلف ، وكنتُ قد أشرتُ إلى ذلكَ في كتابٍ أرسلتهُ إليهِ ، فجاءَ كتابُ منهُ هذه صورتهُ ) :

طنطا في 10 يناير سنة 1916

أيّها الأخُ

السلامُ عليكَ ،

وقد جاءني كتابكَ وكأنّما هو جرحٌ دامٍ يحملُ السهمَ الذي أدماهُ ، فدع ِ الأمرَ للذي قدّرَ الأمرَ ، وكأيّن من كارثةٍ انجلتْ عن نعمٍ كثيرةٍ .... ، وأمّا العملُ الذي طلبتهُ فلا أرى أينَ أجدُه لكَ ، وكيفَ أجدهُ في هذه الضائقة التي تركت الناسَ كأنّهم على بعثٍ لا يقولُ الواحدُ منهم إلا نفسي ! .

إنّنا في وقتٍ لا ينفذُ فيه النورُ فلا أدري كيفَ أشيرُ عليكَ أن تنفذَ أنت ، ولكنّي أسأل الله أن يهبكَ حظّاً من التوفيقِ فما يفتحُ اللهُ للناس ِ من رحمةٍ فلا ممسكَ لها .

كتبتُ لكَ أسماءَ بعض ِ كتبِ الاجتماع ِ والفلسفةِ الأدبيةِ ، ومن هذه الأسماءُ " كتاب الفلسفةِ النظريةِ " وفيهِ وحدهُ الكفاية ُ ، وقد طبعَ منه ستة أجزاء في علم الاجتماع والمنطق والفلسفةِ وعلم التربيةِ والأخلاق ، والكتابُ أصلهُ اثنا عشر جزءاً وهو تأليف قوم ٍ من أعلم ِ الناس ِ بتلكَ الفنون ِ ، وكان تعريبهُ وطبعهُ في بيروت ولكن أينَ منّا بيروتُ ؟! .

اقرأ كل ما تصل إليهِ يدكَ فهي طريقة ُ شيخنا الجاحظِ ، وليكن غرضكَ من القراءةِ اكتساب قريحةٍ مستقلةِ وفكرٍ واسع ٍ وملكةٍ تقوّي على الابتكار .

فكل كتابٍ يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأهُ ، وما دمتَ لا تعرفُ غيرَ العربيةِ فالتمس مجلداتِ المقتطفِ وخذ منها كل ما عثرت به ، فإنهُ مدرسة في بعض ِ الأغراض التي تتوخى إليها .... ، أرجو لكَ الخيرَ ، وأدعو لكَ بالتوفيق ِ .

وأختمُ بالسلام ِ عليك .

مصطفى صادق الرافعي

( أمّا الكتبُ التي أشار إليها فهي ) :

تاريخ التمدّن لكيزو ( طُبع من زمن بعيد )

سر تقدّم الإنجليز

سر تطور الأمم

إميل القرن التاسع عشر

التربية الحديثة لمؤلف سر تقدّم الإنجليز

كتاب الفلسفة النظرية ( طبع في بيروت )

مجلة المقتبس – وفيها شيءٌ كثيرٌ من الموضوعاتِ الاجتماعية –

كتاب الواجب تعريب طه حسين

السلطة والحرية لتولستوي تعريب بعض الأقباط

أما كتبُ التاريخ لإهمها : تاريخ الطبري أو ابن الأثير ، أو ابن خلدون ، ولا غنى عن تاريخ ِ أبي الفداء وتاريخ القرماني لجمعهما واستيفائهما .

وكتبُ التاريخ ِ كثيرة وفي بعضها كفاية لغير المؤرخ ، أمّا هذا فحاجتهُ في كل كلّها .

8 – رأيهُ في أخلاق سادتنا الكبراء !

طنطا في 29 يناير سنة 1916

أيّها الأخُ

السلامُ عليكم ، وبعدُ ،

فقد أخذتُ كتابكم وأنا على سفرٍ إلى مصر فلم أستطع الرد يومئذٍ ، وإنّي أشكرُ لكم عنايتكم فقد وفيتم بما فوق الأمل ِ – باركَ الله فيكم وفي إخلاصكم - .

أمّا ما وصفتم من أمرِ صاحبكم – الرجل الكبير – الذي أمّلتَ أن تكبرَ به ! ، فكأنّكَ لمّا تعرف هؤلاءِ الكبراء ، ولم تقرأ قولهُ تعالى : (( ربنا إنّا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلّونا )) ، فلعنة ُ الله على كل 999 من الألف من هذه الفئةِ .... ! .

إن الناس على خوفٍ وتوثّبٍ وكلّهم يفزعُ بنفسهِ ويفزعُ من نفسهِ ولعل اللهَ يُحدثُ بعد ذلكَ أمراً .

حدّثني عنكم صاحبُ البيان ِ بما سرّني من أخلاقكم وشمائلكم وذلكَ ما كنتُ أتوسّمهُ ، فليتَ اللهيجعلكَ من كبار ِ الأغنياءِ أو يجعلَ في كبار ِ الأغنياءِ مثلكَ ، حتى لا نضيعَ ولا يضيعَ الأدبُ ، وآه من " ليتَ " هذه إنّها من أكبر علل الدنيا ! .

أختمُ بإهدائكم طيّبَ التحيّاتِ وبالدعاءِ لكم ، واللهُ المستعانُ .

والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاته .

الداعي
مصطفى صادق الرافعي

9 – رأيه في مؤلفاته وطبعها

طنطا في 30 يناير سنة 1916

أيُّها الأخُ الفاضلُ :

السلامُ عليكم ، وبعدُ ،

فقد كتبتُ إليكم أمس بعد حضوري من مصر ، لأنّي لبثتُ هناكَ أيّاماً لتنسّم الرَّوحِ الأدبي الذي اختصّت به تلك العاصمةُ الجميلةُ ..... ،

أمّا ما أشرت إليهِ من طبع ِ كل ما أكتبهُ فليس ذلك من همّي ولا أنا ميّالٌ إليهِ ولا مبالٍ به ، وقد كان بعضُ أبناءِ عمومتي يستميلني كتباً ورسائلَ في معانٍ مختلفةً ، حتى اجتمعَ لهُ بعد ذلك جملةٌ صالحةٌ ، فأرادَ طبعها ولكنّي نهيتُهُ وأعلمتهُ أنّي أبرأ منها إذا هو نشرها .

وهنا أشياءُ أخرى لا أريدُ أن أبوحَ بها ، ولكنها في الجملةِ أشياءُ أساعدُ بها رِفداً ، فينتحلها أهلها وينشرونها بأسمائهم وأنا بذلك راضٍ ومسرورٌ .

وليتَ الزمانَ يهيءُ لي أسبابَ التفرّغِ للكتابةِ والشعرِ ، ويغنيني عن التكسّبِ من الوظيفةِ التي أنا فيها – وهي في المحكمةِ الأهليةِ هنا – ولكن ماذا أصنعُ والأمّةُ خاملةٌ كما ترونَ ، فلا تكادُ تقومُ بعيشِ أديبٍ واحدٍ ليخدمها مدّة عمرهِ ، دعنا من هذا الهمِّ فكم شيءٌ في مصر ضياعٌ والحمدُ للهِ ولا كفرانَ للهِ .

وذكرت قطعة البخيلِ التي نُشرت في " البيانِ " فهذه القطعة صدرُ روايةٍ طويلةٍ ممّا يُنشرُ في " المساكينِ " ، وكذلك قصيدةُ ( على الكواكبِ الهاويةِ ) وهي أيضاً فصلٌ في المساكينِ ، وقد كنتُ نظمتها لحفلةِ الأوبرا ، ومن أجلِ ذلكَ لم أشرْ فيها إلى طلبةِ الأزهرِ ، بل جعلتها عامّةً كما رأيتمْ .

كنتُ أحبُّ أن أطيلَ كتابي ولكن بي مرضاً من البردِ تتألمُ لهُ الصحيفةُ والقلمُ ، فأعتذرُ إليكم .

والسلامُ عليكم .

الداعي
مصطفى صادق الرافعي

10 – يريدُ العملَ ولكنّهُ يجدُ العوائقَ

طنطا في 23 مارس سنة 1916

أيّها الأخُ :

السلامُ عليكم ورحمةُ الله ، وبعدُ ،

فلقد تلقّيتُ كتابكم ويسرّني أن تكونَ لكم هذه الغيرةُ على الأدبِ وأهلهِ فإن ذلكَ ممّا يدلّ على أن لكم نفساً عظيمةً تبرزُ بمواهبها شيئاً فشيئاً ، حقّقَ اللهُ الأملَ فيكم ، وكان لكم بعونهِ وتوفيقهِ .

وفي كتابكم فصولٌ :

فأمّا الكلامُ عن الكتّابِ والشعراءِ فلهُ وقتٌ يأتي – إن شاءَ اللهُ – بعد أن يفرغَ الذرعُ لما هو أهمّ وأولى بالتقديم ِ .

وإنّي أستشفُ من كتابكَ أنّكَ لا ترى صورتي من نفسكَ إلا في تقويمٍ فلكيّ ، فمتى ذكرتني قلتَ هو الآن يوشكُ أن يلقي قلمهُ من آخرِ صفحةٍ في كتابِ الشعراءِ ، وفي شهرِ كذا يكونُ قد أنجزَ ... وفي كذا يكونُ قد أنهى وهلمّ من هذا التنجيم ِ ، فأنا أريدُ أن أعملَ كثيراً ، ولكنّي أضجرُ وأمرضُ وأجدُ من العوائقِ أكثرَ ممّا أجدُ من الإرادةِ ، وفي الثلاثةِ الأشهرِ الأخيرةِ مرضتُ نحو ثلثيها ، فتركتُ المساكينَ وغيرَ المساكينِ واهتممتُ لنفسي .

ثمّ إنّ هذا الكتابَ " المساكين " سيتأخرُ أكثرَ ممّا قدّرتُ لهُ ، ولا حيلةَ لي في ذلكَ ما دامت الدنيا كلّها تدورُ كالإعصارِ ، وممّا يسرّكم أن مشيل بك لطف الله اشتركَ منه في مئةِ نسخةٍ مرةً واحدةً ، ودفعَ ثمنها مع أنّي لم أطلبْ إليهِ ، ولكنّ بعضَ الأصدقاءِ عرضَ لهُ بذلكَ .

فالكتابُ يتأخّرُ لا من ضعفٍ ولا من تقصيرٍ ولا من قلةٍ ، ولكن لأنّ الأعمالَ لا بدّ أن تتأخرَ في مطابعنا ، أو لأنّ كتابَ المساكينِ لا بدَّ أن يكونَ مسكيناً مثلهم ... فصبراً ... ، وأمّا الشيخُ علي فهو رجلٌ حقيقيٌّ كما وصف " البيانُ " ، ولو رأيتهُ لاستولى على نفسكَ ولأعجبكَ من جنونهِ العقلُ كلّهُ ... .

وأمّا " ذكرى أبي العلاءِ " فلم أقرأهُ إلى الآن ، ولا أنا أميلُ إلى قراءتهِ ولكنّي اطّلعتُ على فصلينِ قصيرينِ ، أحدهما عن بغداد في " المقطمِ " ، والثاني عن نشأةِ المعرّي في مجلةِ " فتاةِ الشرقِ " .

فإن كان كل ما في الكتابِ على هذا النمطِ فليسَ في الكتابِ إلا ... فإنّ فصلَ بغداد منقولٌ ببعضِ التصرّفِ عن " معجمِ ياقوت " ، ومع ذلكَ ففيهِ خطأ كبيرٌ ، لأنّ ياقوت وصفَ أموراً تتعلقُ ببغداد في مواد مختلفةٍ من معجمهِ ، وقصرَ طه في الاطلاعِ عليهِ ، ومن هنا تطرّقَ إليهِ الخطأ .

والفصلُ الآخرُ حشفٌ وسوءُ كيلةٍ – كما يُقالُ – لأن آراءِ المؤلفِ ضعيفةٌ واهيةٌ ، ويخيّلُ إليّ أنَ أكبرَ غرضهِ في هذا التأليفِ أن يجيءَ بكلامٍ كثيرٍ يخرجُ في مجلدٍ ضخمٍ ، فهو يزن الكلامَ بالرّطلِ ... ومع ذلكَ فربّما كان الكتابُ مفيداً وربّما كان جيّداً ، ولكنّ الفصلينِ اللذينِ وقفتُ عليهما لا شيءَ ولا شيءَ .

ولا يمكنكم أن تظفروا بكتابِ " الفلسفةِ النظريةِ " إلا من بيروت ... وهذا الكتابُ عميقٌ يحتاجُ إلى كدِّ الفكرِ ، على أنّهُ لم يطبعْ كلهُ لأنّهُ 12 جزءاً ، طُبعَ منه سبعةُ أجزاءٍ على ما أتذكرُ .

أختمُ بطيبِ التحيّاتِ- إنّي كسولٌ في هذه الأيامِ وأراني في حاجةٍ إلى الكسلِ أيضاً - .

والسلامُ عليكم ورحمة الله .

من الداعي
مصطفى صادق الرافعي

11 – ما أصابهُ من تعبٍ في إعجازِ القرآن

طنطا في 28 مارس سنة 1916
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

مختارات  من  رسائل  الاديب /مصطفى  صادق  الرفاعى Empty رد: مختارات من رسائل الاديب /مصطفى صادق الرفاعى

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:51 am


أيّها الأخُ :

السلامُ عليكم .... ،

أمّا قطعةُ " زهرِ الربيعِ " فإنّي أريدُ كتابتها ولكن متى جاءَ وقتها ، وهذا الوقتُ لا أدري متى هو ، فإنّي لا أكتبُ عندما أريدُ ، ولكن يضطرني الموضوعُ نفسهُ إلى الكتابةِ فيهِ .

وأحبُّ أن أعلمكم – وحدكم – أنّ كتابَ " المساكين " لا يزالُ منه فصلٌ لمّا يكتبْ ، لأنّ الأشهرَ الماضيةَ كانت كثيرةَ الأمراضِ عليَّ كما أعلمتكم من قبلُ ، وأمراضي كلّها عصبيةٌ وقد ترادفتْ منذُ فرغتُ من الجزءِ الثاني من " التاريخِ " ، لأنّي تعبتُ فيهِ إلى أقصى ما يتحمّلُ جسمي وعقلي .

ولذلك تراني أكتبُ يومينِ أو ثلاثة ، ثمّ أضطرُ إلى تركِ الكتابةِ عشرة أيّامٍ أو أكثر ، مع أنّ جسمي – والحمد لله – غيرُ ضعيفٍ ولكن أعصابي قد تأثرتْ من دماغي كثيراً ، ذكرتُ لكم كلَّ هذا لكيلا تستعجلوا " بالمساكين " ولا تسأموا الانتظارَ .

والسلامُ عليكم ورحمة الله .

مصطفى صادق الرافعي

12 – رأيهُ في كتب المنطقِ والبلاغةِ وفي " المنفلوطي "

طنطا في 16 أبريل سنة 1916

أيّها الأخُ :

السلامُ عليكم ،

ولقد وصلَ كتابكم الآن وإنّي أعجلُ بالرّدِ لأنّ عليَّ أعمالاً كثيرةً أريدُ أن أفرغَ لها ، أمّا كتبُ المنطقِ فلا فائدةَ منها إلا في تفتيقِ الذهن ِ ، وهذه الفائدةُ على أتمّها في كتبِ الكلامِ العربي " كالمقاصدِ " و " المواقف " وغيرهما ، على أنّ ذلكَ لا يمنعُ من قراءةِ المنطقِ العربي اليوناني .

ولكنّ المتأخرينَ جعلوا هذا الفرعَ من العلمِ غايةً في الترتيبِ والسهولةِ والفائدةِ – وأريدُ بالمتأخرينَ علماءَ الإفرنجِ - ، ومن أجزاءِ " الفلسفةِ النظريةِ " جزءٌ خاصٌ في المنطقِ .

ورأي – أنا – أن علمَ المنطقِ كعلمِ البلاغةِ لا فائدةَ في كليهما لمن لا يستطيعُ أن يكونَ منطقيّاً وبليغاً بدرسهِ وبحثهِ .

وإنّي أذكرُ لكم خبراً عن نفسي :

فقد كنتُ أوّل الطلبِ منذُ 17 سنةً قصدتُ مصر واجتمعتُ هناكَ بطائفةٍ من أهلِ الفكرِ ، وكانَ منهم " عبدالعزيز الثعالبي " ، وهو رجلٌ تونسيٌ مؤرخٌ سياسي كان يدرس في أوربا بعض فروع المشرقيّاتِ ، ومن أمرهِ أنّه لا يتكلّمُ إلا الفصحى ، فساجلتهُ الحديثَ بلغتهِ وطريقتهِ المنطقيةِ – ولم أكن قرأتُ في المنطقِ شيئاً غير فصلٍ واحدٍ من كتابٍ أزهريٍّ يبتديءُ به المجاورون وقد أنسيتُ اسمه - ، فقال لي أخيراً : على من درستَ المنطقَ ؟ ، قلتُ لهُ : من الذي وضعَ هذا العلمَ ؟ ، قالَ : أرسطو ، قلتُ : ولم لا تكونُ قريحتي في ذلكَ كقريحةِ أرسطو ؟ ... .

أسوقُ لكم هذه العبارةَ لتعلموا أنّ الفنّ نفسه غيرُ ضروريٌّ على ما هو في كتبهِ ، فإنّ زمن المصطلحاتِ المنطقيّةِ قد مضى ، وكانت هذه المصطلحاتُ لازمةً للجدلِ ، ولا جدلَ اليومَ ... ويمكنكم أن تبدأوا القراءةَ في الكتبِ المقرّرةِ لطلبةِ الأزهرِ ، وهي شروحٌ وحواشٍ كلّها مفيدٌ ... .

وأمّا الكلامُ عن الشعراءِ والكتّابِ ، فلا أستطيعُ أن أقولَ قولاً أؤخذُ بهِ ، ورأيّ علماءِ العربِ في ذلك هو رأي فلاسفةِ النقدِ اليومَ ، وذلك أنّهم يكرهون الكلامَ عن رجل ٍ لا يزالُ حيّاً ، ولكن متى ختم تاريخهُ تكلّموا فيهِ ، لأنّ من الناسِ من ينبغُ في آخرِ عمرهِ نبوغاً يفوقُ الوصفَ ، ومنهم من يكونُ نبوغهُ في الكهولةِ أو في الشبابِ وهكذا ، وفي " حاصلِ المطلوباتِ " أنّ كتابَ الشعراء والكتّابِ لا يكونُ إلا بعد سنين طويلةٍ – إن فسح اللهُ في الأجل ِ - ، إذ هو في الحقيقةِ تاريخٌ للأدبِ العصري .

أمّا كلماتُ " المنفلوطي " فلها خبرٌ ، وذلكَ أنّه ظهرت منذ 12 سنة – على ما أتذكرُ – مقالةٌ عن الشعراءِ في مجلّةِ " الثريا " كان لها دويٌ بعيدٌ واشتغلت بها الصحفُ والمجلاّتُ كلّها ، ونسبتُ هذه المقالة إليّ أنا ، ووصلتُ إلى الخديو فقام " شوقي وقعدَ " ، ثم شمّر لها السيّدُ " البكريُّ " ، وهو الذي أوعزَ إلى المنفلوطي أن ينقضها واستأجرهُ لذلكَ ، فكتبَ المنفلوطي كلماته في مجلةِ " سركيس " وهذه الكلماتُ غيّر ترتيبها ثلاث مراتٍ ، حتى صارت إلى الحالةِ التي نشرتْ بها أخيراً .

ففي المرةِ الأولى كان رأسُ شعرائها السيّدُ " البكري " ، وفي المرةِ الأخيرةِ صار " شوقي " ... وهذا هو السببُ في ذم المنفلوطي إيّايّ بتلكَ العباراتِ التي كتبها عنّي .

أمّا قبلَ ذاكَ فكانَ الرجلُ يقرّظني و ... ينافقُ لي على أنّي من يومئذٍ طرحتهُ ولم أعدْ أكلّمهُ ، لأنّي لا أتمسّكُ بشيءٍ كالأخلاقِ ، ولذلكَ لا أرجعُ عن كلمةٍ قلتها ، ومتى انصرفتْ نفسي عن شيءٍ لا تقبلُ إليهِ آخرَ الدهرِ .

فأنت ترى أنّ " المنفلوطي " لا يكتبُ عن بحثٍ ولا روايةٍ ، وإنّما هي كلماتٌ يصوّرُ بها ما في نفسهِ .

وإنّي أعجبُ لسخافةِ كلمتهِ في الشيخ ِ " جاويش " و " فريد وجدي " ، وهما عالمانِ من كبارِ أهلِ الفضلِ وأصحابِ الأثرِ في هذه النهضةِ ، ومن ذوي الأخلاقِ الراقيةِ ، ولو رأيتم الشيخَ " عبدالعزيز " لرأيتم الأدبَ والرّقةَ والذّكاءَ والأنفةَ والتواضعَ في رجلٍ واحدٍ ، وهو بعدُ عالمٌ مدققٌ يحملُ شهادةَ علمِ النفسِ وفنّ التصويرِ من جامعةِ " كمبردج " وشهادة " دار العلوم " ، في حين أنّ الذي كتبَ عنهُ إنّما يحملُ شهادةَ التقرّبِ من " سعد باشا زغلول " ، وبهذه الكلماتِ أرادَ أن يرضيَهُ ويّرضيَ أخاهُ المرحومَ " فتحي باشا " ، وفي هذا كفايةٌ .

والخلاصةُ : أنّ " المنفلوطي " يُحسنُ أن يكتبَ ولكنّ الكتابةَ غيرُ الدرسِ ، وما الذي يكتبُ الحكمَ كالذي يُصدرَ الحكمَ .

فألحّوا على الشيخِ " البرقوقي " أن يستوفيَ مقالاتِ الأدبِ العصريِّ فإنّي لم أرَ خيراً منها .

كنتُ ذكرتُ لكم أنّ في " المساكين ِ " فصلاً لم يُكتب ، فقد كُكتبَ – والحمدُ للهِ – وأنا مُجدٌّ في إظهارهِ ، واللهُ المُستعانُ .

والسلامُ عليكم ورحمة الله وبركاتهُ .

الداعي
مصطفى صادق الرافعي
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى