روضة الثقافة والادب
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

أحمد فارس الشدياق

اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:02 am

أحمد فارس الشدياق
1805-1878





يعتبر الساق على الساق[1] من اهم الاعمال الادبية العربية التي كتبت خلال القرن التاسع عشر. وقد كتب الشادياق ترجمته الذاتية هذه عام 1855 ، واصفاً فيها اهم مراحل حياته منذ نشاته في قرية عشقوت بلبنان ، مروراً باسفاره الكثيرة لمصر وتونس وجزيرة مالطا وبريطانيا وغيرها من البلاد ، حتى ساعة اعداد كتابه هذا للنشر - على حسابه الخاص في باريس. وقد عُرف هذا الكاتب بشدة حبه للحياة ، وانغماسه في حقولها المختلفة مما جعل رؤيته تلك التي يتمتع بها المجرب الخبير، لا المسافر الذي يرى المشهد من بعيد.

يتميز كتاب الساق على الساق باسلوب ماكر بارع في مكره- اذ يتعمد الكاتب استخدام كلمات تحوي اكثر من معنى، للسخرية من التقاليد الاجتماعية السائدة في عهده، وللتعبير احياناً عما هو فاحش من المعاني باسلوب غامض ، ربما خوفاً من ان يُحرق الكتاب، كما يذكر الشادياق في المقدمة. وقد انتقد البعض الكاتب لولعه بذكر المترادفات من الكلمات، واستخدامه السجع بل ومحاكاته للمقامات احياناً ، مما يقلل من متعة قراءة الكتاب للقاريء ويشتت افكاره. الا ان الشادياق كان في واقع الامر بسعى لتعليم اسس البلاغة العربية الاصيلة لقرائه، مدافعاً عن لغة الضاد في زمن سعى فيه الاتراك لاضعافها.

الاجزاء التالية من سيرة الشادياق الذاتية تحوي الفصل الاول: وفيه ذكر لاسباب سعي الكاتب لكتابة مذكراته، يليها شكواه في رسالة لبطريارك المارون ضد المتنفذين من الكهنة لانهم سجنوا اخاه لعدة سنوات مما تسبب في موته بسبب محالفته اياهم الرأي. اما القسم الاخير فيتعلق بوصف الكاتب لاوضاع القاهرة والاسكندرية الاجتماعية التي لاحظها حين زارهما في الثلاثينات من القرن الماضي.
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:03 am


من الساق على الساق في ما هو الفارياق

1 - في اثارة رياح:
مه صه اسكت اصمت اعلم اني شرعت في تاليف كتيبي هذا المشتمل على اربعة كتب في ليالي راهصة ضاغطة احوجتني الى الجؤار قائماً قاعداً حتى لم اجد لصنبور افكاري ما يسده عن ان يتبقع على ميزاب القلم في وجوه هذه الصحائف. فلما رأيت القلم مطواعاً لاناملي والدواة مطواعاً للقلم قلت في نفسي لا باس ان اقفو القوم الذين بيضوا وجوههم بتسويد الطروس فان كانوا قد احسنوا فانا اعد ايضاً من المحسنين. وان كانوا قد اساءوا فلعل عدد كتبهم يحتاج الى تكملة فيكون كتابي على كل حال متصفاً بالكمال. لأن ما كمل غيره كان جديراً بان يكمل نفسه. فمن ثم لم اتوقف فيما قصدته ولم اتحاش ان اودعه من الالفاظ الشائقة الرائقة والمعاني الفائقة الآفقة كل ما خف على السمع ، ولذ للطبع . مع علمي انه لا يكاد مؤلف يعجب الناس جميعاً.
وكأني بمتعنت يقول في نفسه او لغيره لو كان المؤلف اجهد قريحته في تاليف كتاب مفيد لاستحق ان يُثنى عليه. لكني اراه قد اضاع وقته عبثاً بذكر ما لا ينبغي ذكره حيناً. وحيناً بذكر ما لا يجدي نفعاً. والجواب عن الاول : ومحترس من مثله وهو حارس. وخذ من جذع ما اعطاك. وعين الرضى عن كل عيب كليلة. وعن الثاني: اربع على ظلعك. وارق على ظلعك. وقِ على ظلعك. وكأني بآخر يقول حديث خرافة يا أم عمرو . وجوابه وكم من عائب قولاً سليماً. ثم كأني بجوقة عظيمة من الجلاذ والنهامين والانهمة ... وهم يضجون ويعجون ويجأرون وينعرون ويصخبون ويتهددون...... . فاقول لهم مهلاً مهلاً انكم قضيتم عمركم كله في حرفة التاويل فما يضركم لو اولتم ما تنكرونه في كتابي من اول وهلة. وسعيتم كما هو دابكم لان تجعلوا منه حسناً ما يظهر قبيحاً ومستظرفاً ما يلوح من خلال عباراته فاحشاً. فان ابا نواس قد اوجب عليكم ذلك بقوله:

لا تحظر العفو ان كنت امرءاً ورعاً فان حظركه بالدين ازراء...



وبقوله :

كن كيفما شئت ان الله ذو كرم وما عليك اذا اذنبت من باس

الا اثنتين فلا تقربهما ابداً الشرك بالله والاضرار بالناس

فاما ان قلتم ان عباراته صريحة بحيث لا تقبل التأويل. فاقول لكم انكم بالامس كنت تخطأون وتخرضمون وتلحنون... وان قلتم ان بعضها وهو السيء مفهوم وبعضها غير مفهوم قلت لعل ما لم تفهموه هو من الحسنات التي تذهب السيئات فلا ينبغي لكم على اية حال كانت ان تحرقوه. ولعمري لو لم يكن من شافع لقبوله واجرائه عند الادباء وعندكم انتم ايضاً مجرى كتب الادب سوى سرد الفاظ كثيرة من المترادف لكفى. بل فيه من ذكر الجمال واهله ادام الله عزهن ما يوجب اعظامه وتقريظ مؤلفه حياً ثم تابينه بعد مفارقته اياهن رغم انفه.

على اني اعرف كثيراً من الوفهة الكرام المشهود لهم بالفضل بين الانام لا يتحرجون من قولهم شيء ممجمج وشيء متدملك وشيء ازيب. ومن ذكر الكعثب والكثعب والجهلوم والعركوك .... وكنت احملق في وجوههم عند ذكرهم ذلك فلم اكن ارى عليها حمرة الخجل ولا صفرة الوجل بل كانت ناضرة مستبشرة مبتهجة مسفرة . فان ابى المنكر الا عناداً وتقاضاني جدول اسمائهم قلت له هاك اوله يبتديء بالالف وآخره بالياء. فاحسبوني اذاً وافهاً من هؤلاء.

ثم ان شرطي على القاريء الا يسطر شيئاً من الالفاظ المترادفة في كتابي هذا على كثرتها. فقد يتفق ان يمر به في طريق واحدة سرب خمسين لفظة بمعنى واحد او بمعاني متقاربة . والا فلا اجيز له مطالعته ولا اهنؤه به. على اني لا اذهب الى ان الالفاظ المترادفة هي بمعنى واحد والا لسموها المتساوية وانما هي مترادفة بمعنى ان بعضها قد يقوم مقام بعض. والدليل على ذلك ان الجمال مثلاً والطول والبياض والنعومة والفصاحة تختلف انواعها واحوالها بحسب اختلاف المتصف بها فخصت العرب كل نوع منها باسم ولبعد عهدهم عنا تظنيناها بمعنى واحد وقس على ذلك انواع الحلى والماكول والمشروب والملبوس والمفروش والمركوب. لا بل عندي ولا اخشى من ان يقال انه اذا كان اسمان مشتقين من مادة واحدة وكانا يدلان على معنى واحد كالخجوج والخجوجاة مثلاً للريح الشديدة المر فلابد وان يكون الاسم الزائد في اللفظ زائداً في المعنى ايضاً . ان شئت اذعنت او لا فعاند.

هذا واني قد الفته وما عندي من الكتب العربية شيء اراجعه واعتمد عليه غير القاموس. فان كتبي كانت قد فركتني فاعتزلتها ، غير ان مؤلفه رحمه الله لم يغادر وصفاً في النساء الا وذكره . فكانه كان الهم ان سياتي بعده من يغوص في قاموسه على جمع هذه الجواهر في مؤلف واحد منتسق لتكون اعلق بالذهن وارسخ في الذكر.

ولولا اني خشيت غيظ الحسان على لكنت ذكرت كثيراً من مكايدهن وحيلهن لكني انما قصدت بتاليفه التقرب اليهن وترضيهن به. واني آسف كل الاسف على انهن غير قادرات على فهمه لجهلهن القراءة لا لعوص العبارة اذ لا شيء يصعب على فهمهن مما يؤول الى ذكر الوصل والحب والغرام. فهن يستوعبنه ويتلقفنه من دون تلعثم ولا قصور وحسبي ان يبلغ مسامعهن قول القائل ان فلاناً قد الف في النساء كتاباً فضلهن به على سائر المخلوقات فقال انهن زخرف الكون، وتعيم الدنيا وزهاها، وغبطة الحياة ومناها، وسرور النفس ومشتهاها، وعلق القلب وقرة العين، وانتعاش الفؤاد، وروح الروح.....وان خلاق الرجل من دونهن حركان، وفوزه خيبة، وهناؤه تنغيص ، وانسه وحشة، وشبعه جوع، وارتواؤه ظمأ، ورقاده أرق، وعافيته بلاء، وسعادته شقاوة.

فاذا قدر الله بلوغ هذا الخبر المطرب سماع احدى سيداتي هؤلاء الجميلات وسرت به وفرحت. ورقصت ومرحت. رجوت منها وانا باسط يد الضراعة ان تبلغه ايضاً مسامع جارتها. وأملت من هذه ايضاً ان تطالع به صاحباتها حتى لا يمضي اسبوع واحد الا ويكون خبر الكتاب قد شاع في المدينة كلها. وكفاني ذلك جزاء على تعبي الذي تكلفته من اجلهن. الا وليعلمن اني لو استطعت ان اكتب مديحهن بجميع اصابعي وانطق به بكل من جوارحي لما وفى ذلك بمحاسنهن. فكم لهن علي من الفضل حين بدون في افخر الحلل ومسن باحسن الحلى. ونظرن الى شافنات. حتى ابت الى حفشي وانا اتعثر بافكاري وخواطري. فما كادت يدي تصل الى القلم الا وقد تدفقت عليه المعاني وسرحت على القرطاس. فاورثتني بين الناس ذكراً وفخراً. ورفعن قدري على قدر ذوي البطالة والفراغ. نعم ان من بينهن من نفست على بطيفها في الكرى. ولكنها معذورة في كونها لم تكن تعلم اني اتكلف النوم بعد ان رات عيني من جمالها ما يبهر العقل ويبلبل البال.

فاما اذا تعنت على احد بكون عبارتي غير بليغة. أي غير متبلة بتوابل التجنيس والترصيع والاستعارات والكنايات، فاقول له اني لما تقيدت بخدمة جنابه في انشاء هذا المؤلف لم يكن يخطر ببالي التفتازاني والسكاكي والامدي والواحدي والزمخشري والبستي وابن المعتز وابن النبيه وابن نباتة. انما كانت خواطري كلها مشتغلة بوصف الجمال. ولساني مقيداً بالاطراء على من انعم الله تعالى عليه بهذه النعمة الجزيلة. وبغبطة من خوله عز وجل نعمة الحسن وبرئاء من حرمه منه. وفي ذلك شاغل على غيره. على اني ارجو ان في مجرد وصف الجمال من الطلاوة والرونق والزخرفة ما يغني عن تلك المحسنات استغناء الحسناء عن الحلى ولذلك يقال لها غانية. وبعد فاني قد علمت بالتجربة ان هذه المحسنات البديعية التي يتهور اليها المؤلفون كثيراً ما تشغل القاريء بظاهر اللفظ عن النظر في باطن المعنى.
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:04 am

ولعمري انه ليس في هذا الكتاب شيء يعاب عليه سوى وجدانك الفارياق فيه تارة يحشر في سرب الغواني. وتارة يدمق عليهن وهن آمنات في حجاهلن او في حديقة او في زاوية او على السرير . على انه لم يكن لي بد من ذلك. اذ الكتاب موضوع على أخباره وعلم احواله. فقد بلغني ان كثيراً من الناس انكروا وجود هذا المسمى فقالوا انه من قبيل الغول والعنقاء. وبعضهم قال انه ظهر مرة في الزمان ثم اختفى عن العيان. وذهب غير واحد الى انه مسخ بعد ولادته بايام. ولم يعلم باي صورة تلبس والى أي شكل استحال. وزعم قوم انه صار من جنس النسناس. وقال غيرهم انه صار من نوع الجن. واثبت بعض انه قد استحال امرأة. فانه لما راى ان المرأة اسعد حالاً من الرجل في هذه الدنيا المسماة دنيا النساء كان لا يبيت الا وهو جائر الى ربه بالدعاء لان يصير انثى. فتقبل الله ذلك منه وهو على كل شيء قدير. فرأيت والحالة هذه من بعض ما يجب علي ان اعرف هؤلاء المختلفين فيه بحقيقة وجوده على ما فطر عليه. ما عدا التغيير الذي عرض له عن جهد المعيشة وسوء الحال ومقاساة الاسفار ومخالطة الاجانب والاحتكال. وعلى الخصوص من تلفيع الشيب. والمجاوزة من حد الشباب الى سن الكهولة. فاذ قد علم ذلك فاقول:

كان مولد الفارياق في طالع نحس النحوس والعقرب شائلة بذنبها الى الجدي او التيس والسرطان ماش على قرن الثور، وكان والداه من ذوي الوجاهة والنباهة والصلاح (مرحى مرحى) الا ان دينهما كان اوسع من دنياهما وصيتهما اكبر من كيسهما (برحى برحى) وكان لطبل ذكرهما دوى يسمع من بعيد. ولزوابع شانهما عجاج ثناء يثور في الجبال والبيد. ولتكرير العفاة عليهما واعتشاء الوفود لديهما تعطلت سبل دخلهما ونزحت بئر فضلهما فلم بيق فيها الا نزازات يلقى فيها المخفق المحروم سداداً من عوز. فكانا يجودان به ايضاً من عوز السداد (وه وه) فلذلك لم يعد في طاقتهما ان يبعثاه الى الكوفة او البصرة ليتعلم العربية. وانما جعلاه عند معلم كتاب القرية التي سكنا فيها (ويح ويح) وكان المعلم المذكور مثل سائر معلمي الصبيان في تلك البلاد في كونه لم يطالع مدة حياته كلها سوى كتاب الزبور وهو الذي يتعلمه الاولاد هناك لا غير (اف اف) وليس قولي انهم يتعلمونه موذناً بانهم يفهمونه. معاذ الله. فان هذا الكتاب مع تقادم السنين عليه لم يعد في طاقة بشر ان يفهمه (غط غط) وقد زاده ابهاماً وغموظاً فساد ترجمته الى اللغة العربية وركاكة عبارته حتى كاد ان يكون ضرباً من الاجاجي والمعمى (رط رط) وانما جرت عادة اهل تلك البلاد بان يدربوا فيه اولادهم على القراءة من غير ان يفهموا معناه. بل فهم معانيه عندهم محظور (تف تف) وكما انهم لا يفهمون معنى وحا وميم وقاف مثلاً. فكذلك لا يفهمون عبارة الكتاب المذكور اذا قراوها (طيخ طيخ).

والظاهر ان سادتنا رؤساء الدين والدنيا لا يريدون لرعيتهم المساكين ان يتفقهوا او يتفتحوا. بل يحاولون ما امكن ان يغادروهم متسكعين في مهامة الجهل والغباوة (اع اع) اذ لو شاؤوا غير ذلك لاجتهدوا في ان ينشئوا لهم هناك مطبعة تطبع فيها الكتب المفيدة سواء كانت عربية او معربة (سر سر) فكيف ترضون ياسادتنا الاعزة لعبيدكم الاذلة ان تربى اولادهم في الجهل والعمه (عزوى عزوى) وان يكون معلموهم لا يعرفون العربية ولا الخط والحساب والتاريخ والجغرافية ولا شيئاً غير ذلك مما لا بد للمعلم من معرفته (تعز تعز) فكم لعمري من ملكات براعة وحذق من الله تعالى بها على كثير من هؤلاء الاولاد. غير انه لفقد اسباب العلم وعدم ذرائع التاديب والتخريج طفئت جذوتها فيهم على صغر بحيث لم يمكن ان يستقبها بهم نتف التحصيل على كبر (أوه أوه) هذا وانكم بحمد الله من المتمولين المثرين. لا يعجزكم ان تنفقوا كذا وكذا كيساً على انشاء مدارس وطبع كتب مفيدة (ايه ايه) فان لبطرك الطائفة المارونية دخلاً له وقع عظيم، وقدر جسيم، يحبث يمكنه ان يحبي به قلوب طائفته هذه التازرة التي لا هم لها في المنافسة والمباراة في شيء بين من سبقوهم الى كل علم وفضل (هيس هيس) وانما همهم ان يتعلموا بعض قواعد في نحو اللغتين العربية والسريانية لمجرد العلم بها فقط من دون فائدة (آه آه) اذ لم يعلم الى الآن ان واحداً منهم ترجم كتاباً او كراسة مفيدة في هاتين اللغتين ولا ان البطرك امر بطبع كتاب لغة فيهما (تغ تغ) ولو انه انفق نصف دخله في كل سنة على تحصيل اسباب العلم بدل هذه الولائم والمآدب التي يهيؤها لزواره. او لو كان كل من الامراء والمشائخ الكرام ينقل شيئاً معلوماً في كل سنة لاجل هذه المصلحة الخيرية او لو بعث من قبله الى البلاد الافرنجية وكلاء يجمعون من ذوي الخير والاحسان فيها مبلغاً يخصصه بما نحن بصدده. لاحمد كل من في لشرق والغرب فعله (جنح جنح) ولكن اذا تعنى احد سادتنا هؤلاء لان يبعث الى اخوانه الافرنج خنا او متى او لوقا لجمع المال فانما يبعثه لبناء كنيسة او صومعة (آح آح) ومع ان الانسان مذ يولد الى يبلغ اثنتي عشرة سنة لا يمكنه ان يدرك شيئاً على حقيقته من جهة الكنيسة والصومعة ويمكنه في خلال ذلك ان يتعلم ما يفيده في مدرسة او كتاب (ثع ثع) فهل تعدونني ياسادة بانشاء مكاتب وطبع كتب حتى لا اطيل عليكم هذا الفصل. فان بقلبي منكم لحزازات حاكة ويصدري عليكم ملامات صاكة (أخ أخ) لان خليصي الفارياق في دولتكم السعيدة لم يمكنه ان يتعلم في قريته غير الزبور وهو كتاب حشوه اللحن والخطأ والركاكة (اخ اخ) لان معربه لم يكن يعرف العربية وقس عليه سائر الكتب التي طبعت في بلادكم وفي روما العظمى (هع هع). ومعلوم ان الغلط اذا تاصل في عقل الصغير شب معه ونمى فلم يكن ممكناً بعد قلعه. فهل من سبب لهذا الشين والعيب سوى اهمالكم وسوء تصرفكم في السياسة المدنية والكنائيسة (افوه افوه).

اتحسبون ان الركاكة من شعائر الدين ومعالمه وفرائضه وعزائمه وان البلاغة تقضي بكم الى الكفر والالحاد والبدعة والفساد (مطغ مطغ) ام حسبتم ان تلك الابيات العاطلة قد افحمت ذلك المسلم العالم عن المجادلة والمناضلة (يع يع).. اما بعروقكم دم يهيجكم الى حب الكلام الجزل الفخم. والى البلاغة والبلة. ونق العبارة على موجب القواعد المقررة. والافصاح عما يخطر ببالكم دون الحشو المخل. والاعتراض الممل. والتعقيد المعل والاخلاء المسل؟ وقولكم في جوز الجملة الخ. وحعلكم الفعل الثلاثي رباعياً. وبالعكس. واستعمالكم ما يتعدى منه بالباء متعدياً بفي وبالعكس وعدم فرقكم بين اسمي الفاعل والمفعول. فتقولون هم محسودون مني أي حاسدون لي وما اشبه ذلك (قه قه) وليس كتابي هذا درة الثين في اوهام القسيسين حتى استوعب فيه ذكر اغلاطكم واوهامكم (ايحي ايحي) وانما المقصود من ذلك ان ابين لكم ان ادمغتكم قد سقيت اللحن والركاكة من وقت ذهابكم الى الكتاب وقراءتكم فيه كتاب الزبور الى ان تصيروا كهلاً ثم شيوخاً (دح دح) وانه ما دمتم على هذه الحال فلن يرجى لكم من ابلال (ويب ويب).
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:05 am


ثم ان الفارياق اقام عند معلمه ريثما ختم الكتاب المذكور. وبعد ذلك اوجس منه المعلم ان يربكه في مسائل تصعب عليه فينفضح بها. فاشار على والده بان يخرجه من الكتاب ويشغله بنسخ الكتب في البيت (به به) فلبث على هذه الحال مدة طويلة فاستفاد منها ما امكن لمثله ان يستفيد من تجويد الخط وحفظ بعض الالفاط (بد بد) وكان اهل البلاد يفضلون حسن الخط على كل ما تصنعه اليد. فعندهم ان من يكتب خطاً حسناً هو الذي افق بين اقرانه في الفضل. ومع اشتهار ذلك فلم يكن حاكم البلاد يستخدم من الكتاب الا من بذأت العين خطه وعاف الذزق السليم كلامه (عيط عيط) اشعاراً بان الخط لا يتوقف الا على الحظ. وان ادارة الاحكام لا تفتقر الى تهذيب الكلام (تع تع) وان كثيراً قد نالوا المرتب السامية والمناصب السنية وهم لا يحسنون توقيع اسمهم الشريف (حس حس) غير ان الفارياق لم يكن قرير العين بهذه الحرفة. اذ كان يعتقد ان الرزق الذي ياتي من شق كشق القلم لا يكون الا ضيقاً (وي وي). نعم ان كثيراً من الناس قد نالوا العيش الواسع الهني. والخير المتتابع الوفي من مورد هو بالنسبة الى شق القلم رحب لكنه بالنسبة الى شرههم وسرفهم ضيق (واه واه) غير ان الفارياق وقتئذ كان غراً لا تجربة له ولا خيرة فكان يحكم على البعيد بالقريب . ولا شيء اقرب الى عين الكاتب من لسان قلمه وعارض قرطاسه او ادنى الى قلبه من الكلام الذي يكتبه واللبيب من قنع بالحرفة التي يتعاطاها ولم يشق عليه امت الشق ولم يشرئب الى ما ليس يحسنه (شع شع).





من 18 :في النحس

....واتفق وقتئذ ان قدم نقاش يفدد على شراء السلع القديمة وعلى اصلاحها او على مقايضتها او على صبغها. وادعى انه يقدر على ان يعيدها الى لونها الاول وانه لا يعجزه شيء من احوالها بحيث ان صاحب السلعة نفسه اذ رآها بعد صبغها وتصليحها يتعجب منها غاية العجب ولا يعود يعرفها. انه أي النقاش لما بلغه في بلاده فساد تلك السلع اقبل الى تلك البلاد وهو يحمل خرجاً كبيراً فيه من الاصباغ والادوات ما يرفأ كل خرق ويعيد كل لون نافض. فسار اليه الفارياق عجلاً الى المقايضة وواطأه على ابدال ما عنده من السلعة القديمة باخرى جديدة راقت لعينه. فقد يقال لكل جديد بهجة. ثم قفل الى منزله مسروراً بصفقته. فلما علم أهله وحيرانه بذلك استشاطوا عليه غيضاً وقالوا. لعمر رب الحنود ما جرت العادة في بلادنا بتغيير البياعات ولا بمقايضتها ولا باصلاحها ولا بصبغها. ثم لم يلبث الخبر ان بلغ مطران الصقع فكأنما كان سكيناً سقط على حلقومه. او خردلاً دخل على خرطومه. فهاج وازبد، وابرق وارعد، وماج واضطرب، وضج وصخب، والب وحزب، وبربر وثرثر، واقبل وادبر، وزجر ونهر، ووثب وطفر، وفتل لحيته من الغيظ حتى صارت كالمقرعة. واغوى كل حنتوف مثله بان يهيج معه. ونادى ياخيل الله على الكفار. انهم صالوا النار. كيف تجرأ هذا الشقي المنحوس. المعتره المهلوس، على ان يذهب مذهباً غير ما نهجه له جاثليقه وسلكه فيه بطريقه؟ وكيف اقدم بوقاحته، وصفاقة وجهه وقباحته على معاملة ذلك النقاش اللئيم ومباعيته ما ورثه عن آبائه من الزمن القديم. اليس في بلادنا صلب، وادهاق ويلب، هلموا به مهانا، اجلدوه عريانا، اطرحوه نيرانا، القموه حيتانا، اطعموه دمانا، اقطعوا منه لسانا، اسقوه الزنانى، على به الان. فابتدر بعض الحاضرين وقال انا اتيك بهذا الجعشوش بأسرع من رد طرفك اليك. ثم ولى حفدا الى الفارياق فوجده مكبا على قراءة الدفتر الذي فيه اثمان السلعة. فتناوله بالسيف فاصاب فروته. ثم سيق الفارياق الى الجزار المشار اليه. فلما بصر به انتفخت اوداجه واتسع منخراه وتعقدت اسرة جبينه واصفرت شفتاه. ورقص شارباه واحمرت حدقتاه. واحترقت اسنانه ودارت بينهما هذه المحاورة:
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:06 am

قال الضوطار : ياويلك يامغبون ما دعاك الى المساومة على سلعتك؟

الفارياق - اذا كانت هي سلعتي كما اقررت فما الذي يمنعني من ذلك؟

الظوطار: ضللت. هي سلعتك من حيث انك ورثتها من آبائك لا من حيث ان لك حق

التصرف فيها

الفارياق : هذا خلاف العادة والحق فان ما يرثه الانسان يحق له التصرف فيه.

الضوطار: كذبت. انما انت ورثتها لتحفظها لا لتضيعها ولا لتتبادل بها..

الفارياق : هي ميراثي افعل به ما اشاء

الضوطار : قبحت. اني انا القيم عليه الصائن له من الشوائب.

الفارياق: ما بلغنا عن احد انه تولى ميراث غيره الا اذا كان الوارث غير راشد.

الضوطار غويت . انك انت غير رشيد وانا وليك ووصيك وكفيلك ووكيلك وحسيبك.

الفارياق: ما الدليل على اني لست من الراشدين ومن ذا الذي جعلك وصياً وولياً؟

الضوطار: زغت. انما الدليل على غوايتك وضلالك هو انك تبدلت به متاعاً غيره. واما

كوني وصياً فان جميع امثالي يشهدون لي به كما اني انا ايضاً اشهد بانهم

اولياء امثالك.

الفارياق: ليس بتبديل شيء بآخر دليل على الظلال والزيغ اذا كان المبدل والمبدل منه

من جنس واحد. ولاسيما اني رايت لون القديم يوشك ان ينصل وقد ركت

رقعته فتبدلته بما هو ازهى واقوى.

الضوطار: كفرت. انه عشى على بصرك فما تستطيع ان تفرق بين الالوان.

الفارياق: كيف ذلك ولي عينان ناظرتان ويدان لامستان.

الضزطار: عميت فان الحواس قد تغش ولا سيما حاسة البصر.

الفارياق: اذا كانت حواسي قد غشت فكيف سلمت حواسك من الغش وانت بشر مثلي.

الضوطار: حننت. اني وان كنت بشراً مثلك لكني وكيل من طرف شيخ السوق. وقد

افادني مما اودع الله فيه من الاسرار العجيبة ان لا يطرأ على غبن ولا غش

الا وتبنيته لانه هو منزه عن الغش.

قال الفارياق: واين شيخ الفسوق هذا. ثم استدرك كلامه وقال انما اردت شيخ السوق. فلا

تكن زيادة هذه الثمانين موجبة لحد الثمانين.

الضوطار: لعنت. هو بعيد عنا بيننا وبينه ابحار وجبال. غير ان انفاسه القدسية تسري

فينا.

الفارياق: كيف به اذا مرض او جن او مسه طائف من الجن او اصابه برسام. فكيف

يمكنه والحالة هذه تمييز المتاع الردي من الجيد؟

الضوطار: هلكت. ما هو ببلو للعوارض . لانه بواب رتاج عظيم وبيده مزلاجان عظيمان

لاحكام الباب من قبل ومن دبر.

الفارياق: ليس هذا بدليل فان كل انسان في العالم يمكنه ان يصير بواباً ذا مزلاجين.

الضوطار : فسقت وفجرت. انه هو وحده مستبد بهذه الخطة اذ قد فوضت اليه من المالك

الامر.

الفارياق: متى كان ذلك؟

الضوطار : صلبت منذ الفي سنة تقريباً

الفارياق: او عاش هذا الشيخ الفي سنة؟

الضوطار : الحدت. انما انتقلت اليه بالورائة.

الفارياق: ممن ورثها امن ابيه وجده؟

الضوطار : نكلت . من انسان لا يعد من اهله.

الفارياق: هذا امر عجيب كيف يرث الانسان شيئاً من رجل غريب فان الغريب اذا مات عن

غير وارث انتقل ماله الى بيت المال فهو اولى به من رجل على حدته.

الضوطار: عذبت . هذا سر ليس لك ان تبحث عنه.

الفارياق: ما الدليل على كونه سراً؟

الضوطار: افحشت. هذا هو الدليل. وعند ذلك قام عجلاً واتى بكتاب واخذ يقلب فيه مطلوبه اذ لم يكن كثير الدرسة له. الى ان وجد عبارة مضمونها ان المالك كان احب مرة رجلا فوهبه هبات شتى من جملتها كاس وطست وعصا في راسها صورة ثعبان وجبة وتبان ونعلان وبلب له مزلاجان. وقال له قد وهبتك هذه كلها فاستعملها واهنا بها.

الفارياق: لعمري ليس في هذه الهبة ما يدل على سره هذا وقد مات كل من الواهب والموهوب له وفقد الموهوب كله. فكيف لم بيق الا المزلاجان فقد وقد ضاع الباب وهما لا ينفعان من دونه شيئاً.

الضوطار: فندت. لم يبق لنا في غير المزلاجين من حاجة.

الفارياق: بحق هذين المزلاجين عليك ياسيدي الا ما اريتني الكأس مرة في العمر وحسب.

ولك علي بعد ذلك الامرة التامة.

فلما ان ضغط الضوطار بين السلب والايجاب استشاط وغراً وهم ان يلحق الفارياق بالباب والكأس لولا ان دعاه داع الى اللوس. فقام ناشطاً ووكل به الاوغاد وكان وقتئذ يتضور جوعاً فرأى ان رؤية قمر القدر في المطبخ اشهى اليه من النظر الى وجه الفارياق. فتغافل عنه فتملص الفارياق من هذه الورطة واقبل يهرول الى الخرجي وقال له.. لقد خسرت تجارتي معك فان البضاعة كادت تميتني بمبضع. فابتغي منك الاقالة. اولاً فان يكن عندك في الخرج رأس يلائم جثتي حين تعدم هذا فارني اياه ليسكن روعي. اذ لا يمكن لي ان اعيش بلا راس. فاما ان لم يكن على الخرج غير اللسان فما لي به حاجة هذا متاعك فضمه اليك. فقال له الخرجي ما هكذا حق التعامل ينبغي ان تصبر على ما يلحقك من تبعة الصفقة كما داب جميع المتبايعين عندنا. وتلك من بعض خواص هذه التجارة. ولكن لا تخف فان من خواصها ايضاً ان تقي الواقي لها وتحفظ المحافظ عليها. فيكون له بها غنى عن الرأس اذا نقف وعن العينين اذا سملتا وعن اللسان اذا استل. وعن الساقين اذا غمزتا بالدهق. وعن اليدين بيانه في الفصل التالياذا غلتا بالكبل . وعن العنق اذا وقصت. والكبد اذا فرصت. قال ما ارى ما ترى فان الاسف لا يحيي مائتاً . والندم لا يرد فائتاً . فان يكن عندك مخزن آمن فيه من العدو على السلعة فآوني اليه. والا فهذا فراق بيني وبينك. فاطرق الخرجي ساعة ثم دخل به حجرة صغيرة واقفل الباب. واخذ يمتحن الفارياق كما سيردفى الفصل التانى
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:07 am


19 - في الحس والحركة :

قد جرت عادة الناس جميعاً بان يقولوا اذا احبوا شيئاً او اشتاقوا الى شيء ان قلبي يحب هذا الشيء. او يحس بمحبة هذا الشيء. او يشتهي ذلك الشيء. ولست ادري عله هذا الاستعمال. فان القلب انما هو عضو من الجسم من جملة الاعضاء فلا يمكن ان تكون حساسيتها كلها مجموعة فيه. وبيانه ان من احب لوناً من الطعام بخصوصه فلينظر في ادوات الاكل الباعثة على اشتهائه . وما يميل اليه الطبع وهو غير محتاج الى اعمال اداة ظاهرة وذلك كحب الرئاسة والسعادة والدين بينبغي ان يحمل على الرأس. اذ هي امور معنوية لا علاقة لها بتلك البضعة أي القلب. وكما ان الطحال الذي هو وزير الميمنة لا تعلق له بهذه الامور. فكذلك كان وزير الميسرة أي القلب. الا انه لما كانت حركة القلب اسرع من غيره لكونه اقرب الى الرئة التي هي حرز التنفس ظن الناس ان القلب اصل في جميع اهواء الانسان واشواقه. ومن عاداتهم اجتناباً للبحث عن كثرة الاسباب والعلل والتيقن للحقائق ان يقتصروا على سبب واحد من الاسباب المتعددة وينسبوا اليه كل ما تسبب عن غيره. كما تنسب الشعراء مثلاً دواعي النحس الى الدهر ودواعي البين والفراق الى الغراب.

وبناء على هذا الاعتقاد أي نسبة الاهواء كلها الى القلب اراد الخرجي ان يمتحن قلب الفارياق ليعلم هل نبض فيه حب السلعة الجديدة نبضاً قوياً او لا. فجعل يقول له هل تحس في قلبك بان السلعة الجديدة خير من الاولى. وهل يضطرب فرحاً وسروراً عندما تسمع بذكرها. وهل ينبسط ويتسع وينشرح عند خطور هذه ببالك. وينقبض ويضيق ويتضام عند ذكر تلك. وهل عند قرائتك دفتر الاثمان يخيل لك ان قد طبع فيه أي في قلبك كل حرف من حروف الدفتر. حتى لو اعوزك وجوده سدت تلك الحروف مسده وهل يضطرم ويتوقد ويذوب ويضمحل اخرى. ثم يعود اقوى مما كان عليه كالسمندل المعروف. وهل تحس ايضاً بان ناخساً ينخسه. وواخزاً يخزه وعاصراً يعصره. وراهصاً يرهصه. وممزقاً يمزقه. وظاغطاً يضغطه. فقال له الفارياق اما الاضطراب والخفقان فانه دائماً على مثل هذه الحالة. وهو عرضة لذلك في حالتي الفرح والترح فان ادنى شيء يؤثر فيه. واما التوقد والذوبان فلا ادري. فقال المراد بالتوقد هنا وبالنخز والعصر الحمية والتحمس والتهوس وتخيل ما هو معدوم موجوداً وما هو موهوم يقيناً. ومثل ذلك مثل من يسافر في فلاة لاماء فيها فيبلغ منه الظمأ ان يتصور السراب ماء وشعاع الشمس نقزاً. ولا يزال يمني نفسه بوجدان الماء حتى يقطع المفازة. فان شدة التخيل والتهوس تعين الانسان على تحمل المكاره والمشاق. فيكون رازحاً تحت ثقلها وهو يحسب انه من المتكئين على الارائك. فيستوي بذلك عنده المجاز والحقيقة والمحسوس وغير المحسوس. حتى يحسب الصفر خواناً والنعش عرشاً. وربما كان ذا زوجة وعيال فيتخذهم منخذ الماعون من الخزف فيغادرهم ويجري في البلدان القاضية لترويح السلعة. ويستغني عن اهله واخوانه ورهطه بما لديه في الخرج فيحمله على كتفه مستبشراً مسروراً ويضرب في مناكب الارض طولاً وعرضً. فكل من مر به من عباد الله عرض عليه الشركة والمضاربة. ولا يزال دابه كذلك حتى يقضي نحبه وطوبى له ان مات على هذه الحالة. الخرج الخرج. ما لنا سواه من حرفة ولا شغل . السلعة سلعة. ليس لنا غيرها من جعل . ثم طفق يبكي وينتحب.

فلما افاق بعد حين ساله الفارياق هل عندكم معاشر الخرجيين سوق وشيخ للسوق. قال لا. قال ومن يقوم لكم المتاع قال كل منا يقوم متاعه بنفسه ولا يحتاج الى آخر. فتعجب الفارياق وقال في نفسه ان في هذا لعجباً. فان قوماً من هؤلاء الصعافيق لهم شيخ سوق وما لهم خرج. وقوماً لهم خرج وليس لهم شيخ ولكن لعل صاحبي هذا على الحق. اذ لو لم يكن كذلك لما تكلف حمل الخرج من اقصى البلاد وتجشم اخطار السفر وغيره ثم نخزه الخناس ان الخرجي ربما لم يجد محترفاً في بلاده فجاء بما عنده لينفقه في بلاد اخرى. فان تاجراً لو استبضع من بلده مثلاً خزاً او كرباساً الى بلد اخر لم يحكم له بانه قدم الى هذا البلد حباً باهله. فقد جرت العادة بأن المتسببين يطوفون في كل الاقطار. ثم فكر في ان اناة الخرجي وماهو عليه من الرزانة والصبر لابد وان يكون قرينها الرشد والحزم بخلاف النزق والطيش فانه لا يكون الا قرين الغواية والظلال. فمن ثم حكم بان الخرجي كان على هدى وذلك لاناته وحلمه. وان المطران كان من الضالين لحدته وتترعه . ثم قال للخرجي قد وعيت ياسيدي كل ما اوعيته اذني. وما ارى الحق الا معك. واني مشايعك ومتابعك وحامل للخرج معك. ولكن اجرني من هؤلاء الصعافيق فانهم كالاسود الضارية لا تاخذهم في خلق الله رأفة ولا شفقة. وعندهم ان اهلاك نفس غيرة على الدين يكسبهم عند الله زلفى. وقد تمسكوا بظاهر اقوال من الانجيل فيما رأوه موافقاً لغرضهم وزائداً في جاههم وسلطانهم. فيقولون ان المسيح بقوله ما جئت لالقي على الارض سلماً لكن سيفاً انما رخص لهم في اعمال هذه الاداة في رقاب الناس رداً لهم الى طريقة الحق. وقد نبذوا وراء ظهورهم خلاصة الدين وجوهره ونتيجته. وهي الالفة بين جميع الناس والمحبة والمساعدة وحسن اليقين بالله تعالى. وما صعب على من زاغ وعمى عن الحق ان يستخرج من كل كتاب وحياً كان او غير وحي ما يوافق غرضه. وفساد عقيدته. فان باب التاويل واسع. ايجوز الان لامير الجبل اذا شاخ ولم يعد التدثر بالثياب يدقئه ان يتكوى ببنت عذراء جميلة أي يتدفأ بحر جسدها كما فعل الملك داوود؟ ام يجوز له اذا حارب الدروز وانتصر عليهم ان يقتل نسائهم المتزوجات واطفالهم ويستحيي ابكارهم لتفجر بهن فحول جنده. كما فعل موسى باهل مدين على ما ذكر في الفصل الحادي والثلاثني من سفر العدد. ام يجوز له ان يتزوج بالف امرأة ما بين ملكة وسرية كما فعل سليمان. ام يجوز لاحد من القسيسين ان ينكح زانية ويولدها النغول كما فعل النبي هوشع. ام يسوع لاحد من الولاة ان يقتل من اعدائه كل رجل وكل امرأة وكل طفل رضيع كما فعل شاول بالعمالقة عن أمر رب الجند. حتى ان الرب غضب عليه لعدم قتله خيار الشاه والانعام ولابقائه على اجاج ملك العمالقة وندم على انه ملكه على بني اسرائيل فقام صموئيل وقطع الملك قطعاً امام الرب في جلجال. هذا واني قد قرات في فهرست التوراة المطبوعة في رومية في حرف الهاء ما نصه: ينبغي لنا ( أي لاهل كنيسة رومية) ان نهلك الهراقطة. أي المبتدعين او المشاحنين. واستشهدوا على ذلك بما كان يجري بين اليهود واعدائهم من القتال والفتك والاغتيال على ما سبق ذكره. فان يكن دين النصارى يحلل قتل الرجال والنساء والاطفال والفجور بالابكار من النساء وييح الوثب على عقار الغير من دون دعوة الىالدين بل مجرد عتو وظلم كما كان يحلله دين اليهود فلأي سبب نسخه اذاً وابطل احكامه . لكن دين النصارى مبني على مكارم الاخلاق وغايته من اوله الى آخره ابقاء السلم بين الناس وحثهم على الصلاح والخير. والا فلنرجع يهوداً. فلما سمع الخرجي ذلك راى ان وراء هذا الكلام لباقعة. فحرص على انقاذ الفارياق من ايدي العتاة. وارتاى ان يبعثه الى جزيرة تسمى جزيرة الملوط استئماناً فيها. فركب الفارياق في سفينة صغيرة سائرة الى الاسكندرية.
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:07 am


عرض كاتب الحروف :

قد تفلت الفارياق من ناديكم، وانملص من بين اياديكم. وعنجر في وجوهكم جميعاً واصبح لا يخاف لكم وعيداً وبقي الان ان اذكركم ما اشططتم به من الظلم والطغيان والجور والعدوان على اخي المرحوم اسعد. اذ اودعتموه السجن في داركم الوزيرية بقنوين نحو ست سنين. وبعد ان اذقتموه جميع ضروب الذل والهوان والبؤس والضنك في صومعة صغيره لزمها فلم يكن يخرج منها الى موضع يبصر فيه النور او يستنشق الهواء اللذين يمن بهما الخالق على الابرار والفجار من عباده قضي نحبه وما كان سجنكم له الا لمخالفته لكم في اشياء لا تقتضي عذاباً ولا عتاباً. وما كان لكم عليه من سلطان ديني ولا مدني. اما الدين فان المسيح ورسله لم يامروا بسجن من كان يخالف كلامهم وانما كانوا يعتزلونهم فقط. ولو كان دين النصارى نشأ على هذه القساوة الوحشية التي اتصفتم بها انتم رعاة التائهين وهداة الضالين لما آمن به أحد. اذ لا احد من الناس يصبو الا اذا كان يرى الدين الذي خرج اليه خيراً من الذي خرج منه. وكل انسان في الدنيا يعلم ان السجن والتجويع والاذلال والتوعد والتشنيع ليس من الخير في شيء. وناهيك ان المسيح ورسله اقروا ذوي السيادة على سيادتهم وامرتهم. ولم يكن دابهم الا الحض على مكارم الاخلاق والامر بالبر والدعة والسلم والاناة والحلم. فانها هي المراد من كل دين عرف بين الناس. واما المدني فلان اخي اسعد لم يات منكراً ولا ارتكب خيانة في حق جاره او اميره او في حق الدولة. لو فعل ذلك لوجب محاكمته لدى حاكم شرعي. فاساءة البطرك اليه انما هي اساءة الى ذات مولانا السلطان. لاننا جميعاً عبيد له مستامنون في امانه وحكمه. وكلنا في الحقوق سواء اذ البطرك ليس له حق في ان يخطف من بيتي درهماً واحداً لو شاءه فانى له ان يخطف الارواح وهب ان اخي جادل في الدين وناظر وقال انكم على ضلال فليس لكم ان تميتوه بسبب هذا. وانما كان يجب عليكم ان تنقضوا ادلته وتدحضوا حجته بالكلام او الكتابة اذا انزلتموه منزلة عالم تخشون تبعته. والا فكان الاولى لكم ان تنفوه من البلاد كما كان هو يطلب ذلك. بل اصررتم على عتوكم في تنكيله وزعمتم ان فراره من داركم مرة لنجاة نفسه كان زيادة في جنايته وجريرته فزدتم تجبراً عليه وظلماً. وكأني بكم معاشر السفهاء تقولون ان اهلاك نفس واحدة لسلامة نفوس كثيرة محمدة يندب اليها. ولكن لو كان لكم بصيرة ورشد لعلمتم ان الاضطهاد والاجبار على شيء لا يزيد المضطهد وشيعته الا كلفاً بما اضطهد عليه. ولا سيما اذا علم من نفسه انه على الحق وان خصمه القاهر له على ضلال. او انه متحل بالعلم والفضائل وقرينه عطل منها فقد فاتكم على هذا العلم الديني والسياسي. وعرضتم عرضكم للقذف والتسويد. وذكركم للمقت والتفنيد. مادامت السماء سماء والارض ارضاً. وان اخي رحمه الله وان يكن قد مات فذكره لن يموت. وكلما ذكره ذاكر من اهل الرشد والبصيرة ذكر معه ايضاً سوء افعالكم وغلوكم وجهلكم وشناعتكم وقد لعمري اخرج عنكم بموته من شيعتكم هذه المتوحمة على سفك الدم اكثر مما لو بقى حيا. وحسبك بالخواجة ميخائيل ميشاقة الاكرم وبغيره من ذوي الفضل والبراعة مثالاً. الم تاخذكم ياغلاظ الاعناق رأفة في شبابه وجماله؟ الم تتاثر قلوبكم التارزة لصفرة وجهه حين حجبتموه عن النور والهواء. وحين ذوت غضاضة جسمه وبضاضته، وحين لم يبق من ترارته غير الجلد والعظم وبخلتم عليه ايضاً ان تطلقوه بهما. الم تشفقوا عليه اذ رايتم انامله قد ضنيت وبخلتم عليه ايضاً ان تطلقوه بهما. الم تشفقوا عليه اذ رايتم انامله قد ضنيت لعوز ما كان يتمتع به حمر دياركم ولقد طالما والله اخذت القلم فخطت ما يعجب به الملوك. ولقد طالما والله صعد المنبر فخطب فيكم ارتجالاً والعرق يتصبب من جبينه ذلك الصليت. ولا شد ما ابكى سامعيه تذكيراً وتزهيداً. وطالما الف وعرب لكم كتباً ركيكة وعلم حمقى رهبانكم واخرجهم من ظلمات الجهل. الم يغز وجوهكم الصفيقة ما كان يترقرق في جهه من ماء الحياة فكان اشد خفراً من مخفرة. وانه كان عزيزاً في اهله مكرماً عند الامراء محبباً الى الخاصة والعامة . نزيه النفس . كريم الخلق فصيح اللهجة. انيس المحظة امثله يحبس ست سنين ويذل وينكل ويموت والله اعلم باي شيء مات. ما بال الكنائس الفرنسوية والنمساوية والانكليزية والرومية الارثودكسية والانصارية واليهودية لا تفعل هذه الفظاعة التي تفعلها الكنيسة المارونية؟ ام هي وحدها الحق والناس اجمعون على الباطل.

الستم تزعمون ان ملك فرنسا هو مجير الدين وناصره، والناس من اهل مملكته الكاثوليكيين ما زالوا يطبعون كتباً يندوون فيها بعيوب رؤساء كنيستهم وقبائحهم وسفاهتهم وفحشهم وشراهتهم والحادهم. بل ان كثيراً منهم قد الفوا تواريخ خاصة بما كان عليه البابوات من الفسق والفجور وسوء التصرف. وبكفرهم بخلود النفس والوحي وبالهية المسيح. فمنهم من قال ان البابا ارمديوس الثامن ويعرف بدوق صفوي رقي الى درجة بابا وهو عامي. ومنهم من قال ان مجمع باسيل انما كان انعقاده لخلع البابا يوجين وانهم حكموا عليه بالعصيان والارتشاء والشقاق والبدع ونكث اليمين. ومنهم من قال ان البابا نيقولاوس الاول كان قد حرم كنتيار مطران كولون لمخالفته له في المجمع الذي عقد في متز سنة 864. فكتب المطران المذكور رسائل الى جميع كنائسه يقول فيها. ان المولي نيقولاوس الذي اتخذ له لقب بابا ويجسب نفسه انه بابا وسلطان معاً وان يكن قد حرمنا فقد علونا على سفاهته. ومنهم من فال ان امبروسيوس حاكم ميلان حصل على درجة مطران مع انه كان غير صحيح الاعتقاد بدين النصارى. ومنهم من قال ان البابا يوحنا الثامن ارسل نواباً من طرفه الى القسطنطينة. فعقدوا ثم مجمعاً اجتمع فيه اربعمائة اسقف وكلهم حكموا ببراءة فوتيوس وانه جدير برتبة مطران. ومنهم من قال ان البابا اسطفانوس السادس امر بان تنبش جثة فرموسيوس اسقف بورطو من القبر لانه كان قد اثار شغباً على سلفه البابا يوحنا الثامن ثم حكم عليه بقطع راسه وثلاث من اصابعه والقيت جثته في طيبر....ومنهم من قال ان البابا يوحنا الثالث والعشرين شكي بانه سم سلفه وباع الوظائف الكنائسية وقتل عدة ابرياء. وانه كان كافراً ولوطياً معاً. ثم خلع بحضرة الامبراطور. الى غير ذلك مما يضيق عنه هذا الكتاب فاني لم اضعه في الدين وانما اوردت ما مر بك على سبيل الاستطراد.

فان كان ما قاله هؤلاء المؤلفون من الفرنساويين حقاً كان ابر من هؤلاء الائمة واتقى. اذ لم يشك قط بانه لاط او زنى او سم احدا...وانما هي مماحكات جرت بينه وبين بطركه على اشياء غير مقيسة ولا معدودة ولا مكيلة. فانت تقول مثلاً ان دركات قنو بين المؤدية الى سجين ثلاث. وهو قال ثلاثمائة. وانا اقول ثلاثة الاف. فما مدخل السجن هنا والعذاب. وان كان ما قالوه كذباً وافتراء كان ذلك ادعى الى تنكيلهم والاقتصاص منهم. لافترائهم على احبار الله وخلفائه فواحش لن يستطيع عباد الفتيش ان ياتوا بافظع منها. مع انا لم نر احداً منهم عذب او نفي او استفز من داره او انف من محضره. بل قد طبعت كتبهم المرة بد المرة. وسعرها في الاسواق كسعر كتب العلم.

ولعل قائلا يقول ان عرضك هذا موجه الى البطرك المتولي الان وهو من اهل الفضل والمكارم وليس هو الذي سجن اخاك وقتله وانما كان سلفه. قلت عندي علم ذلك. غير انه ما دام هو الذي يعتقد بان ما فعله سلفه كان صواباً فهو شريك له ولا يلبث ان يعامل من يقتدي باخي معاملة سلفه . وكذلك يعم اللوم جميع المطارنة والاساقفة والقسيسين والرهبان ان كانوا يصوبون ما فعله البطرك المتوفي. وكنت اود لو اختم هذا العرض بعتاب اوجهه الى حضرة المطران بولس مسعد ابن خالي وخال اخي وكاتب اسرار البطرك. ولكني خشيت الان من الاطالة. وفيما قلت ما يغني اللبيب.
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:10 am


الكتاب الثاني: -2- في سلام وكلام..

عمت صباحاً يافارياق. كيف انت؟ وكيف رايت الاسكندرية؟ وهل تبينت نساءها من رجالها فان النساء في بلدكم لا يتبرقعن. وكيف وجدت مآكلها ومشاربها وهواءها وماءها ومنازلها واكرام اهلها للغرباء؟ الم يزل برأسك الدوار؟ وعلى لسانك هجو الاسفار؟ قال: اما موقع المدينة فانيق لكونه على البحر. وقد زدات بهجة بكثرة الغرباء فيها فترى روس ناس مغطية بطراطير واخرى بطرابيش. واخرى بكمام وغيرها بمقاعط....ومنهم من له سراويلات طولة مفرسخة تكنس ما خلفه وما قدامه ومنهم من له اتب . ومنهم من يركب الحمير والبغال . وغيرهم على الخيل والجمال. والابل في ازدحام والناس في التطام. فينبغي للسائر بينهم ان لا يفتر على الدعاء بقوله اللهم اجر. اللهم احفظ. استعنت بالله. اعوذ بالله . فاما براقع النساء فهي وان كانت تخفي جمال بعضهن الا انها تريح العين ايضاً من قبح سائرهن. غير ان تستر القبيحات اكثر. لان المليحة لا يهون عليها اذا خرجت من قفصها ان تطير في الاسواق من دون ان تمكن الناظرين من رؤية ملامحها. لينظروا حسنها وجمالها ويكبروا لافترارها. فيقولوا ما شاء الله . تبارك الله . جل الله . الله الله. حتى اذا رجعت الى منزلها اعتقدت ان جميع اهل البلد قد شغفوا بها حباً . فباتت تنتظر منهم الهدايا والصلات. والاشعار والمواليات. فكلما غنى مغن انصتت الى غنائه وسمعت اسمها يتشبب به. فاذا بكرت في اليوم القابل الى الاسواق ورات الناس مكبين على اشغالهم تعجبت من بقائهم اصحاء قادرين على السعي والحركة. فزادت لهم في كشف مسافرها ، وقسامتها ، ومحاجرها، وفتنتهم باشاراتها وايمائها. وتمايلها وتهاديها. وتغدنها وتعاطفها. وحندفتها وخزرفتها. وزاد طمعها ايضاً في الهدايا . قال وقد نظمت في البرقع بيتين ما اظن احداً سبقني اليهما وهما :

لا يحسب الغر البراقع للنسا منعاً لهن عن التمادي في الهوى

ان السفينة انما تجري اذا وضع الشراع لها على حكم الهوا

فاما رجالها فان للترك سطوة على العرب وتجبراً. حتى ان العربي لا يحل له ان ينظر الى وجه تركي كما لا يحل له ان ينظر الى حرم غيره. واذا اتفق في نوادر الدهر ان تركياً وعربياً تماشيا اخذ العربي بالسنة المفروضة. وهي ان يمشي عن يسار التركي محتشماً خاشعاً ناكساً متخاقراً متصاغراً متضائلاً . فاذا عطس التركي قال له العربي رحمك الله. واذا تنحنح قال حرسك الله. واذا مخط قال وقاك الله. واذا عثر عثر الاخر معه اجلالاً له وقال نعشك الله لا نعشنا. وقد سمعت ان الترك هنا عقدوا مجلس شورى استقر رايهم فيه لدى المذاكرة على ان يتخذوا لهم مركباً وطيئاً من ظهور العرب فانهم جربوا سروج الخيل وبراذع الجمال واكفها واقتاب الابل وبواصرها وخصرها وسائر انواع المحامل ... فوجدوها كلها لا تصلح لهم. ورايت مرة تركياً يقود جوقة من العرب بخيط من الكاغد وهم كلهم يقودون له. استتغفر الله مرادي ان اقول ينقادون له ولم ادر ما سبب تكبر هؤلاء الترك هنا على العرب. مع ان النبي صلى الله عليه وسلم كان عربياً والقرآن انزل باللسان العربي والائمة والخلفاء الراشدين والعلماء كانوا كلهم عرباً غير اني اظن ان اكثر الترك يجهلون ذلك فيحسبون ان النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول سويلة بويلة او بقالم قبالم. لا والله . ما هذا كان لسان النبي ولا لسان الصحابة والتابعين والائمة الراشدين رضي الله عنهم اجمعين الى يوم الدين.

فاما ماؤها فما احسن رأسه وانجعه. الا انه قذر الذنب تنجسه حيوانات الاوض باجمعها. فاما اكلها فالفول والعدس والحمص والزن والدوسر والجلبان والترمس والخوم والشبرم واللوبياء. ذلك ان اهلها لا يرون في الخمائص حسناً. حتى ان النساء فيما بلغني يتخذن معجوناً من الجعل وياكلنه في كل غداة لكي يسمن ويكون لهن عكن مطويات. ..

الكتاب الثاني : - 5- في وصف مصر :

قد قمت حامداً لله شاكراً فاين القلم والدواة حتى اصف هذه المدينة السعيدة الجديرة بالمدح من كل من رآها . لانها بلد الخير ومعدن الفضل والكرم. اهلها ذو لطف وادب واحسان الى الغريب . وفي كلامهم من الرقة ما يغني الحزين عن التطريب . اذا حيوك فقد احيوك . وان سلموا عليك فقد سلموك . وان زاروك زادوك شوقاً الى رؤيتهم . وان زرتهم فصحوا لك صدورهم فضلاً عن مجالسهم . اما علماؤها فان مدحهم قد انتشر في الافاق . وفات فخر من سواهم وفاق . بهم من لين الجانب ورقة الطبع وخفض الجناح وبشاشة الوجه ما لا يمكن المبالغة في اطرائه . ولكل نوع من الناس عندهم اكرام يليق به سواء كان من النصارى او غيرهم . وربما خاطبوهم بقولهم ياسيدي ولا يستنكفون من زيارتهم ومخالطتهم ومعاشرتهم خلافاً لعادة المسلمين في الديار الشامية. وبذلك لهم الفضل على غيرهم . وكأن هذه المزية وهي حسن الخلق ورقة الطبع امر مركوز في جميع اهل مصر. فان لعامتهم ايضاً مخالقة ومجاملة . وكلهم فصيح اللهجة بين الكلام سريع الجواب. حلو المفاكهة والمطارحة . واكثرهم يميل الى هذا النوع الذي يسمونه الانقاط . وكأنه المجازرة وهي مفاكهة تشبه السباب وهو اشبه بالاحاجي. فان من لم يكن قد تدرب فيه لا يمكنه ان يفهم منه شيئاً وان يكن شاعراً . وكلهم يحبون السماع واللهو ، وغنائهم اشجى ما يكون. فلا يمكن لمن الفه ان يطرب بغيره. وكذلك آلاتهم فانها تكاد تنطق عن العازف بها . واعظمها عندهم هو العود وقل اعتناؤهم بالناي . ولهم في ضرب العود طرق وفنون تكاد تكون من المغيبات . غير اني أذم من غنائهم شيئاً واحداً. وهو تكرير لفظة واحدة من بيت او موال مراراً متعددة حتى يفقد السامع لذة معنى الكلام . ولكن اكثر ما يكون ذلك من المتطفلين على الفن . وبعكس ذلك طريقة اهل تونس فان غناءهم اشبه بالترتيل وهم يزعمون انها كانت طريقة العرب في الاندلس.

ومما ينبغي ان يذكر هنا ان النصارى المولودين في بلاد الاسلام الناهجين منهج المسلمين في العادات والاخلاق هم ابداً دونهم في الفصاحة والادب والجمال والكياسة والظرافة والنظافة الا انهم انشط منهم على السفر والتجارة والصنائع واكثر اقداماً وجلداً على تعاطي الاعمال الشاقة. وذلك ان المسلمين اهل قناعة وزهد وفي النصارى شره عظيم الى اتخاذ الديار الرحيبة وقنية الخيل النجيبة والجواهر النفيسة . والمتاع الفاخر لا حد لها. فاذا دخلت دار نصراني من المتولين بمصر رايت عنده عدة خوادم وخادمين ونحو عشرين قصبة للتبغ من اغلى ما يكون . وقدر نصفها من الاراكيل الثمينة . وثلاث غرفات مفروشات باحسن ما يكون من القماش . وآنية فضة للطعام والشراب واسرة عالية وطيئة وثياباً فاخرة وغير ذلك . ومع هذا فلا تجد عنده كتاباً ولو ان مشترياً شاء ان يشتري شيئاً من تاجر مسلم لوجد سعره ارخص من بضاعة النصراني بربع الثمن ولكن وجود هذه الشراهة انما هو في الغالب عند النصارى الغرباء . فاما القبط فانهم اشبه بالمسلمين . وقل من تعاطى المتجر منهم .

اما دولة مصر اذ ذاك فانها كانت في الذروة العليا من الابهة والعز والفخر والكرم والمجد . فكان للمتسمين بخدمتها مرتب عظيم من المال والكسي والشحن مما لم يعهد في دولة غيرها وكان واليها يولي المراتب العلية وسمات الشرف السنية لكل من المسلمين والنصارى ما عدا اليهود خلافاً لدولة تونس فان شرفها عم الجميع : ومع عظم ما كان يكسبه التجار واصحاب الحرف وما يناله اهل الوظائف من الرزق العميم فكانت الاسعار بمصر رخيصة جداً فلهذا كنت ترى الناس قصريهم وعميهم مقبلين على الشغل واللهو معاً. فالبساتين غاصة باهل الخلاعة والقصوف ومحال القهوة مجمع للاحباب . والاعراس مسموع فيها الغناء والات الطرب من كل طرف. والرجال يخطرون بالحز والديباج . والنساء ينوؤن بما عليهن من الحلي . والخيل والبغال والحمير مسرجة ومكسوة بالحرير المزركش .



ومن خصائص مصر ايضاً ان البغاث بها يستنسر والذباب يستقصر ، والناقة تستبعر ، والجحش يستمهر ، والهر يستنمر ، بشرط ان تكون هذه الحيوانات مجلوبة اليها من بلاد بعيدة.
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

أحمد فارس  الشدياق Empty رد: أحمد فارس الشدياق

مُساهمة  نسمة الأربعاء ديسمبر 05, 2007 11:11 am

ومن ذلك ان كثيراً من اهلها يرون ان كثرة الافكار في الراس يكثر عنها الهموم والاكدار اوبالعكس . وان العقل الطويل يتناول البعيد من الامور . كما ان الرجل الطويل يتناول البعيد من الثمر وغيره . وان تلك الكثرة سبب في الاقلال. وهذا الطول موجب لقصر الاجال . وارادوا على ذلك براهين سديدة قالوا ان العقل في الرأس كالنور في الفتيلة . فما دام النور موقداً فلابد وان تنفذ الفتيلة ولا يمكن ابقاؤها الا باطفاء النور. او كالماء في الوادي. فاذا دام الماء جارياً فلابد وان ينضب او ينصب في البحر . او كالفلوس في الكيس . فما دام المفلس أي صاحب الفلوس يمد يده الى كيسه وينفق منه فني ما عنده . الا ان تربط يدهُ عن الكيس او يربط الكيس عن يده. وكالتيس النازي. فانه اذا دام نزوه نزفت مادة حياته فهلك فلابد من نجفه . فمن ثم اصطلحوا على طريقة لتوقيف جريان العقل في ميدان الدماغ حيناً من الاحيان ليتوفر لهم في غيره . وذلك بشرب شيء من الحشيش او بمضغة او بالنظر اليه او بذكر اسمه . فحين يتعاطونه تغيب عنهم الهموم ويحضر السرور . وتولي الاحزان . ويرقص المكان . فمن يرهم على هذه الحالة ود لو يُكتب في زمرتهم ويدخل في دائرتهم وان يكن قاضي القضاة. ومن ذلك ان طرقها لا تزال غاصة بالابل المحملة فينبغي للسائر فيها اذا رآها مقبلة ان يخلي لها الطريق . او فلا يامن ان يفقد احدى عينيه .
--------------------------------------------------------------------------------

[1] مصدر المختارات هو: الساق على الساق في ما هو الفارياق او ايام وشهور

واعوام في عجم العرب والاعجام . تقديم : الشيح نسيب وهيبة الخازن .
نسمة
نسمة
Admin

المساهمات : 565
تاريخ التسجيل : 01/12/2007

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى